دراسة: حضارة كاملة انتهت بسبب قطع الأشجار

كتبها ندى ماهر عبدربه بتاريخ 2024/10/26

طقس العرب-في كل عام، يسافر آلاف السياح من مختلف أنحاء العالم إلى جزيرة الفصح في جنوب المحيط الهادئ لرؤية تماثيلها الحجرية الشهيرة، المواي. منذ عام 1722، عندما وصل الأوروبيون الأوائل إلى الجزيرة، أثارت هذه التماثيل الضخمة اهتمام الزوار بتقنيات بنائها ونقلها، ما طرح سؤالًا أكبر: ماذا حدث لمن صنعوا هذه التماثيل؟

 

الرواية التقليدية لسقوط رابا نوي

تروي القصة التقليدية أن شعب رابانوي - سكان الجزيرة الأصليون - كانوا مجتمعًا مزدهرًا في البداية، لكنهم قضوا على أنفسهم عبر تدمير بيئتهم. ووفقًا لهذه الرواية، وصل المستوطنون البولينيزيون حوالي عام 800 إلى 900 ميلادي، وبدأ عدد السكان في النمو تدريجيًا. ولكن بحلول عام 1200 ميلادي، تسبب توسع عدد السكان وتزايد صناعة المواي في ضغط بيئي هائل، مما أدى إلى إزالة الغابات وانتشار المجاعات والحروب، وصولًا إلى انهيار ثقافي بحلول نهاية القرن السابع عشر.

استخدم الباحث جاريد دايموند، في كتابه الشهير *الانهيار* (2005)، جزيرة رابا نوي كمثال على العواقب المدمرة للتدهور البيئي. ووفقًا له، فإن سكان الجزيرة استنفدوا مواردهم البيئية، مما أدى إلى فناء مجتمعهم المعقد وانحداره إلى الفوضى وأكل لحوم البشر، وهو تحذير من تكرار المأساة على نطاق عالمي.

 

 

تحدي الفرضية التقليدية: ماذا تقول الأدلة الأثرية؟

عندما ذهبت إحدى الباحثات لأول مرة إلى رابا نوي لإجراء بحوث أثرية، كانت تتوقع تأكيد الرواية التقليدية، لكنها وجدت أدلة تتعارض مع الجدول الزمني الشائع. كشفت دراسات الكربون المشع والبيانات البيئية القديمة عن احتمالات أخرى؛ ربما لم يصل المستوطنون الأوائل إلا بعد قرون من الاعتقاد السابق، ولم يصلوا بمفردهم، بل جلبوا معهم الدجاج والفئران التي أصبحت مصادر غذائية رئيسية.

دور الفئران في تدهور البيئة

تشير الأدلة إلى أن الفئران، التي تكاثرت بشكل كبير، قد تكون السبب الرئيسي في تدهور البيئة. فبدلاً من كون إزالة الغابات ناتجة فقط عن الأنشطة البشرية، ربما كانت الفئران هي التي قضت على النخيل عن طريق التهام بذوره. تبرز هذه النظرية تعقيد القصة، حيث إن أسباب سقوط رابا نوي قد تكون أعمق وأكثر تعقيدًا من مجرد "إبادة بيئية" صنعها البشر.

 

 

التحقيقات المبكرة في جزيرة رابا نوي: العزلة البيئية والتنوع البيولوجي

تبعد جزيرة رابا نوي عن أقرب قارة، أمريكا الجنوبية، حوالي 3000 كيلومتر، وعن أقرب جزيرة مأهولة، بيتكيرن، أكثر من 2000 كيلومتر إلى الغرب. هذه العزلة الجغرافية تجعل منها مكانًا صعبًا للزراعة، حيث تفرض الرياح القوية والرذاذ الملحي وتقلبات الأمطار قيودًا شديدة على النمو النباتي.

الحياة البرية والنباتية في الجزيرة

الجزيرة تحتوي على عدد محدود من الفقاريات، حيث تضم أنواعًا قليلة، منها الدجاج والجرذان. عانت أيضًا من انقراض عدة أنواع من الطيور. كانت أشجار نخيل جوبيا الكبيرة تهيمن على الغطاء النباتي، لكن هذه الأشجار اختفت مع مرور الوقت. وقد أحصى الباحثون 48 نوعًا من النباتات المحلية، منها 14 نوعًا أُدخل من قبل شعب الرابانوي، مما يعكس تفاعل الإنسان مع البيئة وتغييرها.

تظهر السجلات الأوروبية اختلافًا في وصف جزيرة رابا نوي عند اكتشافها. فعند وصول جاكوب روجيفين عام 1722، وصف الجزيرة بأنها فقيرة وخالية من الأشجار، لكنه تحدث لاحقًا عن وفرة المنتجات مثل الموز والبطاطس وقصب السكر. كذلك، أفاد أحد قادة روجيفين برؤية "مساحات كاملة من الغابات"، مما يشير إلى تناقض في الانطباعات الأولى.

في القرن التاسع عشر، وصف الزائر جيه إل بالمر جذوع أشجار ضخمة مثل نخيل جوز الهند وإدواردسيا، والتي كانت موجودة في الجزيرة سابقًا. وهذه الشهادات تشير إلى أن الجزيرة كانت تتمتع بنظام بيئي أكثر تنوعًا في فترات سابقة، ولكنها تعرضت لتحولات بيئية نتيجة عوامل طبيعية وبشرية.

زار عالم الأنثروبولوجيا النرويجي ثور هيردال الجزيرة في الخمسينيات، وأثارت اكتشافاته اهتمامًا واسعًا بتماثيل المواي. ولكنه قدم فرضيات مثيرة للجدل، حيث اعتقد أن رابا نوي استوطنها أشخاص من أمريكا الجنوبية، وأطلق رحلة *كون تيكي* عام 1947 لإثبات إمكانية هذه الرحلة.

تظل جزيرة رابا نوي محاطة بأسرارها، ورغم جهود العلماء لسد الثغرات في تاريخها، فإن الكثير من التفاصيل لا يزال محيرًا.

وفي عام 1955، قاد الباحث هايردال بعثة أثرية إلى جزيرة رابا نوي، مشيرًا إلى أن الجزيرة استُوطنت من الشرق بناءً على تشابه التماثيل فيها مع بعض الأعمال الحجرية بأمريكا الجنوبية. رغم إثبات أصل سكان الجزيرة البولينيزي، بقيت فرضيات هايردال تؤثر في السجلات الأثرية. اكتُشفت أدلة على النشاط البشري في الجزيرة حوالي عام 1200 م، ما يناقض تواريخ سابقة أشارت إلى الاستيطان قبل ذلك. تشير الأبحاث الحديثة إلى أن إزالة الغابات كانت سريعة نتيجة لتأثير البشر ووجود الجرذان، التي أسهمت في تدهور البيئة.

 

شاهد أيضا:

بسبب ارتفاع منسوب المياه.. لحظات رعب على متن يخت سياحي في نهر بتايلاند

بحيرة ضخمة تظهر بعد أن غمرت مياه الفيضانات الصحراء الكبرى لأول مرة منذ عقود



تصفح على الموقع الرسمي



بسبب ارتفاع منسوب المياه.. لحظات رعب على متن يخت سياحي في نهر بتايلاندزيت الزيتون: تاريخه ومكانته الفريدة عبر العصورجدة على موعدٍ مع فرص مُتعددة للأمطار هذا الأسبوع .. تفاصيلالأردن | ارتفاع طفيف على درجات الحرارة وأجواء خريفية مُعتدلة في مختلف المناطق مطلع الأسبوعالسعودية | الحالات الوسمية في تَتَابُع .. مُراقبة احتمالية تشكل حالة ماطرة وسمية جديدة تترافق بالأمطار والبرديات نهاية الأسبوعالسعودية | انتشار واسع للسحب الرعدية يشمل مناطق مُتعددة بما فيها مكة المكرمة وحائلبعد تأخير بسبب مشكلات كبسولة "بوينغ" وعاصفة ميلتون.. هبوط 4 رواد فضاء إلى الأرضالأردن يرصد هزة أرضية شمال غرب طبريا