أزمة التغير المناخي في الشرق الأوسط وشمال افريقيا .. والطاقة المتجددة ليست العلاج الأمثل
طقس العرب - باتت الكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أكثر تأثيرًا عن غيرها في أنحاء العالم، ما يعني ضرورة التحرك بصورة أبعد من مجرد تحول الطاقة، والتركيز على تخفيف المخاطر، لتجنّب أزمات على كل الأصعدة، خاصةً في مجال توفير المياه.
استعرض وزير الاقتصاد السابق، ونائب حاكم المصرف المركزي السابق في لبنان، الدكتور ناصر السعيدي، أبعاد أزمة التغير المناخي على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقال في مقال نشرته مؤخرًا صحيفة "أرابيان غلف بزنس إنسايد"، وطالعته منصة الطاقة المتخصصة، إن فيضانات درنة الليبية تذكير قاتل لكيفية زيادة تغير المناخ في تواتر وقوة أعاصير البحر الأبيض المتوسط. وأشار إلى أن الأثار المدمرة لتغير المناخ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تختلف كثيرًا عن فيضانات باكستان، التي كانت الأسوأ خلال عقد من الزمن، ودفعت إلى مغادرة 33 مليون شخص مواقع سكنهم.
وأوضح أن الحادثين كشفا سوء البنية التحتية وصيانتها، ودلّلا على احتمال تكرار الكوارث الناجمة عن تغير المناخ في أيّ مكان بالعالم.
الانهيار المناخي في الشرق الأوسط وشمال افريقيا
قال الدكتور ناصر السعيدي، إن حوادث تغير المناخ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دفعت الأمم المتحدة إلى وصفها بأنها من المناطق المعرّضة للانهيار المناخي. ويعني ذلك تعرُّض المنطقة إلى ظواهر طقس متطرفة وارتفاع الحرارة وزيادة الضغط على مصادر المياه وارتفاع مستوى البحار وتأثر سقوط الأمطار وتأثر المحاصيل الزراعية، إضافة إلى ارتفاع التصحر، وفق الكاتب. ورغم التزامات العالم والإقليم بتحول الطاقة، فإنه من التوهم بمكان أن يُعتقد أن البشرية قادرة على التغلب على الانقسام الجغرافي وتناقض المصالح لوضع حلول جذرية تعمل على خفض الحرارة 1.5 درجة مئوية بحلول 2030، و2.5 درجة مئوية بحلول 2050.
وبسبب ظاهرة الاحتباس الحراري المؤدية لتغير المناخ والناجمة عن الانبعاثات الكثيفة من الأنشطة البشرية، تسعى دول العالم للحدّ من ارتفاع الحرارة عند هذه النسب فوق مستواها قبل الثورة الصناعية، وفق تقارير اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
"هذا يعني التحرك أبعد من مجرد الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتخزين الكهرباء إلى الاستثمار الضخم والمستدام في بنية تحتية مقاومة لتغير المناخ والتقنيات المرتبطة بها"
حروب المياه
تشير الإحصاءات العالمية إلى أن الطلب على المياه سيرتفع بنسبة 20-25% بحلول عام 2050. وهذا يعني أن 100% من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيواجهون ضغطًا حادًا على موارد المياه. إذا لم نتخذ خطوات لتجنب ذلك، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة التوتر السياسي واندلاع حروب المياه، وفقًا للدكتور ناصر السعيدي، مؤسس ورئيس شركة ناصر السعيدي وشركاه، في مقال حديث.
تجنب حروب المياه وأزماتها الناجمة عن تغير المناخ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يحتاج إلى تعاون بين دول المنطقة وإدارة المصادر الممتدة في بلدان عدة، مثل نهري النيل والفرات.
يذكر أن مصر مهددة بنقص المياه القادمة إليها من إثيوبيا بسبب بناء سد النهضة وتحرك أديس أبابا الفردي في ملء خزان السد، وعدم الخضوع لأي اتفاقات، والشيء ذاته يعاني منه العراق بسبب تركيا، التي تستحوذ على الكمية الأكبر من مياه نهر الفرات.
ومن الجدير بالذكر أن تحلية مياه البحر في منطقة الخليج العربي تمثل نقطة ضوء واستغلالًا أمثل لتمويلات تغير المناخ، مشيرًا إلى أن دول الخليج العربي لديها ميزة تنافسية في مجال تحلية مياه البحر وتمتلك 50% من القدرة العالمية. كما سترتفع هذه النسبة بنسبة 37% خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث تعتزم هذه الدول ضخ استثمارات بقيمة 100 مليار دولار.
أمن الطاقة والمياه
ونظرًا لأن تحلية مياه البحر تعتمد على الطاقة المتجددة في منطقة الخليج، فإن ذلك يعني أنها تعمل على تحقيق أمن الطاقة والمياه معًا، وفق مُؤسِّس ورئيس شركة ناصر السعيدي وشركاه. وطورت السعودية في مشروع مدينة نيوم العملاق تقنيات لتحلية مياه البحر بالطاقة المتجددة، وبالمثل في الإمارات وسلطنة عمان.
وبعد التجربة، يمكن لدول الخليج تصدير تلك التقنيات، وأيضًا، تقنيات حديثة لتبريد المناطق بدأت تتبنّاها وتطورها، لخفض الاعتماد على أجهزة تكييف الهواء التي تعمل بتقنيات قديمة.
وتشير التقديرات إلى أنه مع ارتفاع الحرارة، سيزيد استعمال أجهزة التكييف، ومعه استهلاك الطاقة بأكثر من 70%.
وتُعدّ دول الخليج رائدة في استعمال وتوظيف تقنيات تبريد المناطق في المرافق العامة والعقارات والتطوير الحضري، ويمكن أن تقوم دول الخليج بتصدير تلك التقنيات لباقي دول الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا ومناطق أخرى. وتستطيع أن تسهم تلك التقنيات بالتبريد في مجهودات التكيف، وتوفير نحو تريليون دولار من تكلفة الطاقة بحلول 2035. إذ تحتلّ صناديق الثروات السيادية الخليجية مركزًا بين أكبر المستثمرين في قطاع الطاقة المتجددة.
وتمتلك مراكز مالية تطوّر باستمرار أدوات تسهّل وصول شركات تقنيات المناخ إلى التمويل، ومع تجاوز قوة دول الخليج المالية 4 تريليونات دولار، أصبحت تلك الدول واعدة ومؤهلة لتصبح مركزًا عالميًا لتمويل المناخ وتقنيات المناخ.
ومع استضافة الإمارات لقمة المناخ كوب 28، خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، من المتوقع أن ترفع صناديق الثروات وشركات سوق المال، إضافة إلى كيانات القطاع الخاص النشطة، استثماراتها في مختلف قطاعات البنية التحتية اللازمة للصمود أمام تغير المناخ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتقنيات اللازمة، وفق الكاتب.
المصدر: الطاقة