استخدام الملح في التراث الشعبي للتنبؤ بالطقس وكمية الأمطار
طقس العرب - مع أن أجدادنا لم يعرفوا الأقمار الاصطناعية ولا النماذج العددية المستخدمة في العصر الحديث، إلا أن ذلك لم يمنعهم من ابتكار وسائل فريدة و"غريبة" للتنبؤ بالطقس والأحوال الجويّة، والتي قد تبدو مُجرد خرافات تتناقض مع العلوم الحديثة، حتى ولو أصابت أحيانا.
إحدى هذه الطرق هي استخدام " الملح الصخري " لمعرفة حالة السنة المناخية من حيث كمية الأمطار.
أبو حسام العريض (91 عاماً) أقدم راصد جوي في فلسطين، يتحدث عن التنبؤ بأحوال الطقس والمطر باستخدام طريقة أكوام الملح:
وعند البحث عن تفاصيل هذه الطريقة، نجد أن هناك تباينا في الأحاديث المنتشرة عن هذا الطقس بين البلدان المختلفة وفي عدد أكوام الملح وتوقيت وضعها، ونستعرض الطرق المختلفة في السطور الآتية.
طريقة "التشريب" في شهر آب وأيلول
كان بعض الفلاحين ينتظرون الأيام الست الأولى من شهر آب وهي ما تُعرف بالـ"الستة الآبيات" لاعتقادهم أن كميّة الندى التي تهطل كل صباح من هذه الأيام مرتبطة بكمية الأمطار في الموسم القادم، والمعادلة بسيطة: "كلما زاد الندى.. زاد المطر، والعكس صحيح".
ويستمر الفلاح بعمليات رصد "الندى" وغيرها من الدلائل إلى أواخر شهر أيلول مُبتكرًا طرقاً ووسائل إبداعية للتبنؤ بكميّات المطر التي يُحتمل أن تهطل في كل السنة، بل ويراهن أن بإمكانه أن يعلم أي الأشهر بالذات ستكون كميّة الأمطار فيها أكثر من خلال "التشريب"!
وعن طقوس التشريب، يقول الباحث في التراث الفلسطيني حمزة أسامة العقرباوي أن التشريب هو طقس شعبي قديم، والتشريب لغة يعني الإشباع وتشريب الملح يعني "إشباعه بالماء" أما طقس التشريب فله شكل عام وأنشطة متعددة أشهرها وضع أكوام الملح في العراء ليلا وتكون بالعادة 7 أكوام، كل كوم يمثل شهر من شهر 10 حتى شهر 4 وهي الأشهر المطيرة التي تعرفها بلادنا. وذوبان الأكوام أو بعضها يدل على المطر وكل كوم ملح يدلل على مقدار المطر في شهره الذي يمثله.
استخدام 8 قبضات من الملح الصخري ليلة الاعتدال الخريفي
الدكتور أحمد الشريدة (الباحث في المناخ والتراث الحضاري الزراعي المشرقي) يشير إلى عدد من الضوابط لإجراء هذا الطقس، مثل تحديد موعد لها وهو ليلة 22 أيلول (ليلة الاعتدال الخريفي)، وأما الملح فيجب أن يكون من الملح الصخري الطبيعي كما ويجب أن يوضع الملح على سطح حجر البازلت الذي لا يتأثر بالرطوبة وأما القبضات فتكون - حسب الباحث - 8 قبضات، كل قبضة شهرًا شتويًا واحدًا، كالتالي: تشرين الأول، تشرين الثاني، كانون الأول، كانون الثاني، شباط، آذار، نيسان، أيار .
وعندما يستيقظون في الصباح الباكر لرؤية (صبابير) الملح الصغيرة، يبدؤون العد من قبضة الشهر الأول أي تشرين الأول، وهكذا.. فإن كانت إحدى هذه القبضات تغير لونها وسال ماؤها فهو شهر شتاء وفير.ويمكن أن يعلموا أي الأشهر فيها شتاء، وأخرى شتاؤها ضعيف عن طريق الماء الموجود في الملح أو أمامه.
وإذا كانت القبضات كلها رطبة قليلاً فالسنة تكون محلاً، وبعبارات أخرى تتم مراقبة أكوام الملح قبل بزوغ فجر اليوم التالي (وإذا كان الملح جامدا يكون البرد قارسا، وإذا ذاب الملح فالشهر يخبئ أمطارا وافرة وإذا لم يتغيّر حال الملح فالطقس سيكون صافيا).
وتعد هذه العادة قديمة جداً ومتوارث اجتماعي وثقافي منذ مئات السنين، وبحسب د. ألشريدة فهي تخضع لشروط عدة، هي:
- أن الشخص الذي يجب أن يضع الملح يجب أن يحمل اسماً لا يحمله غيره في القرية.
- أن يضع الملح على حجر بازلتي حصراً لأنه الحجر الذي لا تصيبه الرطوبة نهائياً.
- أن يتم وضع الملح ليلة الثاني والعشرين من أيلول/ سبتمبر .
- الأهم من كل ذلك أن يتحلى بالإيمان.
ويُشار أن الفلاحين والمزارعين في لواء الكورة بمحافظة اربد بشمال الأردن اعتمدوا العديد من الطرق التي يعرفون من خلالها وضع الأحوال الجوية، والتي قد تمتدّ أحيانا إلى سنة كاملة لتساعدهم في الزراعة وجني المحصول حيث لا يزال البعض يهتم بها، وكان أسلافنا اعتمدوها قبل وجود الأقمار الاصطناعية والتحليلات المناخية، ومحطات الأرصاد الجوية وغالبا ما كانت تصيب.
وبحسب د. الشريدة، بسبب التحولات التي طرأت على المناخ في زمن الأجداد والتغيرات الحاصلة اليوم، تراجع هذا التقليد المناخي السنوي حيث أن زمن الستينات والسبعينات يختلف عن العصر الحالي؛ نظرا لعدم وجود ظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري في حينه.
هل هذه الطريقة صحيحة علميا؟
بسبب أهمية الطقس وتاثيره على كافة مجالات الحياة، تأمل أجدادنا كل شيء تقريبا يمكن أن يساعدهم على التنبؤ بالأحوال الجوية وسعوا لابتكار طرق وحكايات ولم يكفوا عن التأمل، وهذه التجارب (سواء صدقت أم لم تصدق) فإنها تشير إلى إبداع الأجداد في ظل غياب الوسائل التكنولوجيّة وأجهزة الرصد المتقدمة، والتي لا تصدق دائمًا هي الأخرى، لكنها على الأقل تستند إلى أساس علمي، وعلينا دائما البحث عن وسائل أخرى مُكملة أو مُساعدة لعمليات الرصد الجوي، لتطوير هذا العلم وتسخيره لخدمة البشرية وحمايتهم.