البحر المضيء.. الظاهرة البيولوجية التي تضيء مياه البحار

كتبها ندى ماهر عبدربه بتاريخ 2023/09/25

طقس العرب - تعتبر البيئة البحرية مكانًا غامضًا وجميلًا يحتضن حياة متنوعة ومدهشة، ومن بين الظواهر البيولوجية الساحرة التي تحدث في مياه البحار والمحيطات، يظهر البحر المضيء كواحدة من أكثر الظواهر إثارة للدهشة والإعجاب إنها ظاهرة تجعل المياه تضيء في الليل على نحو غامض وجميل، مما يخلق منظرًا ساحرًا يجذب الكثيرين من عشاق الطبيعة والبيئة البحرية، وفي هذا المقال، سنتناول موضوع البحر المضيء، وكيف تحدث هذه الظاهرة البيولوجية، وأهميتها البيئية.

 

كيف تضيء شواطئ بالون الأزرق؟

الجواب: البحر المضيء أو ظاهرة التلألؤ البيولوجي هي نوع من الظواهر البيولوجية النادرة والساحرة التي تحدث في المياه البحرية حول العالم، وتتسبب هذه الظاهرة في إطلاق ضوء خافت عندما تتحرك الكائنات البحرية الصغيرة مثل الطحالب والأحياء الدقيقة المارة بالقرب من سطح المياه؛ حيث إن الكائنات الحية تتبع استراتيجيات متنوعة للتكيف والبقاء والصيد في بيئاتها المتغيرة وبعضها يقوم بتغيير لونه ليلائم البيئة المحيطة به، بينما يختار البعض الآخر التظاهر بالموت كاستراتيجية للبقاء، وهناك من يستفيد من الإضاءة البيولوجية كوسيلة للبقاء على قيد الحياة، مثل اليراعات والفطريات وأنواع معينة من الأسماك والبكتيريا والرخويات.

التلألؤ البيولوجي

وفقًا لما ذكره موقع ناشونال جيوجرافيك، يتم تعريف التلألؤ البيولوجي على أنه نوع من التلألؤ الكيميائي، وهو مصطلح يُستخدم لوصف عملية تفاعل كيميائي تنتج خلاله الضوء داخل جزء من جسد الكائن الحي، ويُعرَف هذا النوع من الإضاءة البيولوجية بأنه "ضوء بارد"، وهذا يعني أن نسبة قليلة تقل عن 20% فقط من الضوء الناتج يكون لها تأثير حراري، ويجب التنويه بأن هذا النوع من الإضاءة البيولوجية غالبًا ما يكون موجودًا في الكائنات البحرية، ولا يُلاحَظ في الكائنات التي تعيش في المياه العذبة.

يعتمد البحر المضيء على وجود مادة تسمى "اللوسفورين" في الكائنات البحرية، وهي مادة تحول الطاقة الكيميائية إلى ضوء. عندما تتحرك هذه الكائنات، تنتج فركًا بين جزيئات المياه، مما يؤدي إلى تفعيل اللوسفورين وإطلاق الضوء. هذا الضوء يمكن أن يكون باللون الأزرق أو الأخضر أو حتى الأحمر اعتمادًا على نوع الكائن البحري ومدى تركيز اللوسفورين في جسمه.

 

كيف تحدث عملية التلألؤ البيولوجي؟

الجواب: عند النظر في التفاعل الكيميائي الذي يؤدي إلى توليد التلألؤ البيولوجي، نجد أنه يعتمد على وجود مادتين كيميائيتين فريدتين، وهما اللوسيفيرين واللوسيفيريز، أو ما يُعرف أيضًا بالبروتين الضوئي واللوسيفيرين يكون المركب الأساسي الذي يتحول فعليًا إلى ضوء من خلال عملية أكسدة محفزة تتم عن طريق الإنزيم المعروف بلوسيفيريز، وهذا التفاعل الكيميائي ينتج عنه اللون الحيوي المميز، حيث يكون اللون الأصفر سيد الموقف في حالة اليراعات، بينما يتميز التلألؤ البيولوجي لأسماك الفانوس باللون الأخضر.

بعض الكائنات الحية المضيئة تقوم بإنتاج اللوسيفيرين من تلقاء نفسها، فيما تعتمد بعض الكائنات الأخرى على امتصاص اللوسيفيرين من مصادر خارجية، سواء كجزء من نظامها الغذائي، أو في سياق التفاعلات التكافلية بينها وبين الكائنات الأخرى. اللوسيفيريز، الذي يُصنف كإنزيم (والإنزيم هو مادة كيميائية تعمل كمحفز تفاعل كيميائي)، يؤدي دورًا حاسمًا في هذه العملية، ويتفاعل اللوسيفيريز مع اللوسيفيرين المؤكسد، وهذا التفاعل يشمل إضافة الأكسجين إلى اللوسيفيرين، مما ينتج عنه منتجًا ثانويًا يُعرف باسم "أوكسيلوسيفيرين". والنقطة المهمة هنا هي أن هذا التفاعل الكيميائي يُفضي إلى إصدار ضوء، مما يسهم في تفسير ظاهرة التلألؤ البيولوجي.

 

تنوع الألوان ووظائف مجهولة

تختلف مظاهر التلألؤ الحيوي بشكل كبير تبعًا للبيئة والكائن الحي الذي يوجَد فيه وفي الغالب، يتم تلاحظ التلألؤ الحيوي في المياه البحرية في الألوان الزرقاء والخضراء بشكل أساسي، وغالبًا ما تكون هذه الألوان واضحة أكثر في أعماق المحيطات. زيادة على ذلك، فإن معظم الكائنات البحرية حساسة للألوان الزرقاء والخضراء فقط، وغالبًا ما تفتقر إلى القدرة الفيزيائية على امتصاص أو تجهيز الألوان الصفراء والحمراء والبنفسجية.

ومعظم الكائنات الحية على اليابسة تتوهج بألوان مختلفة تتراوح بين الأزرق والأخضر ومع ذلك، هناك استثناءات، حيث تتوهج بعض الكائنات الحية مثل اليراعات والحلزون البري في مناطق استوائية في جنوب شرق آسيا بألوان طيفية تشمل اللون الأصفر وبالنسبة للبعض القليل من الكائنات الحية، يمكن أن يكون لديها تلألؤ بأكثر من لون واحد، وعلى سبيل المثال، يمكن لدودة السكك الحديدية، وهي يرقة خنفساء، أن تتوهج بلون أحمر في رأسها، بينما يكون جسمها مضيئًا باللون الأخضر. هذا يعود إلى اختلاف في اللوسيفيرات المختلفة التي تسهم في التلألؤ البيولوجي بأشكال متنوعة.

 

 

 

وظائف التلألؤ البيولوجي

ذكر موقع أوشن إكسبلورر Ocean Explorer التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) أن التلألؤ البيولوجي يعتبر شائعًا جدًا في المحيط، على الأقل في منطقة السطح عمود الماء حيث يتمتع 80% من الكائنات البحرية التي تعيش على عمق يتراوح بين 200 و1000 متر بقدرة على التلألؤ البيولوجي.

في المقابل، في بيئات أعماق المحيط الخالية من الضوء تمامًا، يصبح الضوء أمرًا حيويًا للغاية، إذ يسهم الضوء في البقاء على قيد الحياة في تلك الظروف الظلامية في أعماق البحار، حيث يساعد الكائنات البحرية في البحث عن الغذاء وعمليات التكاثر وتنفيذ آليات الدفاع ومع ذلك، فإن الغموض يكمن في الغرض الرئيسي للتلألؤ البيولوجي، حيث لا يزال العلماء غير متأكدين منه بالضبط.

وعلى الرغم من أن العديد من الكائنات البحرية قادرة على إنتاج هذا "الضوء الحي"، إلا أن الكثير عن هذه الظاهرة لا يزال غامضًا. فمثلاً، لم يتم اكتشاف بعد السبب وراء انتشار التلألؤ البيولوجي بشكل شائع في عمود المياه البحري، بينما يظل تطور هذه الظاهرة في الأنظمة المائية العذبة غير معروف تمامًا.

وتُلخص الوظائف المعروفة للتلألؤ البيولوجي في الدفاع في 3 وظائف رئيسية:

الدفاع

أحد أبسط الطرق لتوجيه رسالة تخويفية للحيوانات المفترسة هو استخدام التلألؤ البيولوجي الذي ينبعث من خلال دفاعات مفاجئة من الضوء، ويُعد هذا السلوك شائعًا بين القريدس، حيث يقوم العديد منها بإطلاق تلألؤ بيولوجي كوسيلة للدفاع وزيادة على ذلك، يُظهر العديد من أنواع الحبار التلألؤ البيولوجي، سواء على أجسامها، أو من خلال إفراز مادة كيميائية مضيئة من حبرها، وذلك بهدف تخويف المفترسين وتشتيت انتباههم.

والحبار أيضا عند تعرض الحبار لهجوم من قبل مفترس، يمكن للحبار إطلاق سحابة من الحبر المضيء، مما يؤدي إلى إشغال المفترس وتشتيت انتباهه والسماح للحبار بالفرار، وإلى جانب ذلك، يستخدم الحبار تقنية تمويه الإضاءة المضادة، حيث يحاكي لونه بيئته المحيطة، ويندمج بها وعندما تهاجمه مجموعة من الحيوانات المفترسة من الأسفل، يكون لديه القدرة على التخفي والهروب بسرعة وزيادة على ذلك، يمكن استخدام التلألؤ البيولوجي كعلامة تحذير ضد الحيوانات المفترسة لإرباكها وتحفيزها على الانسحاب، حيث يعتقد المفترس أن الفريسة قد تكون خطرة أو سامة.

 

 

الهجوم

أحد أشهر أنواع الإضاءة الحيوية يعود إلى المصباح الصغير المعروف باسم "الإسكا"، الذي يتدلى أمام رأس سمكة الصياد لجذب الكائنات الصغيرة بما يكفي لاستدراجها والهجوم عليها زيادة على ذلك، يمكن استخدام الإضاءة المضادة لتقليد مظهر مجموعة من الأسماك الصغيرة، مما يخدع الأسماك الواقعة أدناها، ويجعلها تعتقد أن الفرصة متاحة للصيد.

وتطور بعض أسماك أعماق البحار لإصدار ضوء أحمر، والذي لا يمكن رؤيته بسهولة من قبل معظم الأسماك في الأعماق البحرية العميقة؛ بسبب امتصاص المياه لهذا اللون على مستوى العمق الكبير ومع ذلك، تستغل بعض أسماك التنين هذا التلألؤ البيولوجي الأحمر كمصدر للإضاءة الذي لا يمكن لغيرها رؤيته، مما يمكنها من التسلل إلى فريستها، دون أن يلاحظها أي كائن آخر.

 

 

التواصل

اليراعات تجذب رفاقها باستخدام التلألؤ البيولوجي، حيث يُمكن للأنثى إطلاق ضوء يجذب الذكور، بينما يُمكن للذكر إصدار إشارات ضوئية للتواصل مع الإناث. أما البييروسومات، وهي مستعمرات من العوالق المعروفة أيضًا بالهلاميات النارية، فتستخدم تقنية مختلفة للاستفادة من التلألؤ البيولوجي، وتتكون هذه المستعمرات من مجموعات تُعرف بـ "زويدات" وليست كائنات فردية، حيث يتم دمجها معًا لتكوين هياكل قوية واحدة، ويتضمن كل "زويد" هيكلًا مضيئًا يمكن تنشيطه عن طريق الضوء، وهذا يُمكن كل مستعمرة من الاستجابة للإشارات الضوئية التي تُنتجها الزويدات الأخرى وكذلك لمصادر الضوء الخارجية.

 

 

تلك الوظائف المذهلة هي مجرد لمحة عن الاكتشافات التي قام بها العلماء حول هذه الظاهرة البيولوجية، ولا شك في أن المزيد من البحث سيفتح أمامنا أبوابًا جديدة لفهم إمكانيات العالم الطبيعي الرائع في المستقبل.

البحر المضيء هو ظاهرة بيولوجية مذهلة تجسد جمال وتنوع البيئة البحرية، وأنها ليست مجرد مشهد طبيعي جميل، بل لها أهمية بيئية كبيرة في الحفاظ على صحة البيئة البحرية وتوازنها، وإذا كنت تشعر بالفضول لرؤية هذه الظاهرة بنفسك، فقد تكون تجربة رحلة للمياه اللامعة في الليل واحدة من أكثر التجارب سحراً.

 

اعرف أيضا:

منصة عالمية للمحافظة على البيئة البحرية

بالصور... حيوانات بحرية ستصيبك بالدهشة من جمالها

 


المصادر:

BBC

aljazeera

animals



تصفح على الموقع الرسمي



زيت الزيتون: تاريخه ومكانته الفريدة عبر العصورالأردن | أنواع زيت الزيتون في لواء الكورة تغيرات جوهرية على حالة الطقس ودرجات الحرارة تتجاوز الـ20°م في بغداد ثم تتبع بانخفاض حاد.بالفيديو | هل بالضرورة البداية الضعيفة للموسم المطري تعني أنه سيكون حتماً موسماً ضعيفاً؟الأردن | في ثالث أيام مربعانية الشتاء… كيف هي الأجواء المتوقعة في المملكة يوم غد الإثنين 23-12-2024رغم قدرات الذكاء الاصطناعي الهائلة.. لماذا يبقى التنبؤ بالطقس لفترات طويلة تحديًا كبيرًا؟هل تشهد الشمس توهجًا فائقًا كل قرن؟ وما تأثيره على الأرض؟رمضان يقترب.. أيام قليلة تفصلنا عن بداية شهر رجب للعام 1446؟الأردن : فرص الثلوج هي الأعلى منذ سنوات في المملكة إحصائياً