الرابط العجيب بين شتوة تشرين وأشجار الزيتون
طقس العرب - تحمل شهور السنة تغيراتها الخاصة، وكل منها يحمل معه طقوسًا وأحداثًا ترتبط بثقافاتنا وتاريخنا وشهر تشرين الأول يعبر عن نقلة زمنية مهمة تتجدد في فلسطين وغيرها من البلدان المتوسطية، فهو شهر "شتوة تشرين" أو بداية الخريف حيث يحمل هذا الشهر معه الأمطار الأولى، ولكن ما يميزه هو بداية موسم الزيتون.
أمطار شهر تشرين الأول
شهر تشرين الأول يعرف في التقويم الآرامي-السرياني بتسمية "تشري قديم وتشري حراي"، وفي التقويم العربي تكون الفترة المماثلة بين "تشرين أول" و "تشرين ثاني" والكلمة "تشرين" السريانية، وتعني البدء في اللغة العربية، وهي تشير إلى بداية فصل الخريف، ويُسمى هذا الفصل خريفًا؛ لأنه فيه تبدأ الثمار بالخرف فيه، ويُعلن عن دخول الشتاء.
شهر تشرين الأول/أكتوبر يتألف من 31 يومًا، ويُعتبر بداية فصل الموسم المطري في المشرق يُسمى هذا الشهر وسمًا باللغة المحلية؛ لأن الأرض تزهر بالنباتات، ويترك أثره في الأرض تمامًا كما يترك الوسم العلامة على الدواب لتمييزها، وإذا حل الوسم في وقت مبكر من هذا الشهر، يُسمى "الوسم البدري"، وهذا يشير إلى موسم مطر وفير، مصاحبًا للرياح الشرقية الحارة والجافة المعروفة بالشراقي، وتحمل هذه الرياح معها العديد من الحشرات الزاحفة والعقارب.
أمثال شعبية تعبر عن شتوة تشرين
هناك أمثال شعبية تعبر عن "تشرين أول" في المشرق العربي، مثل "بين تشرين وتشرين صيف ثاني"، مشيرة إلى حدوث موجة حرارة بين تشرين أول وتشرين الثاني قد تشهد أيضًا "شتوة المسطاع"، حيث تسقط أمطار تُسفح وتُنفض ثمار شجرة الرمان.
وهناك مثل آخر يقول: "في آخر تشرين ودع العنب والتين"، حيث تخرف العديد من الثمار في تشرين الثاني، وينتهي موسم الفاكهة الصيفية، وتبدأ الحمضيات وبعض فواكه الشتاء، ويبدأ موسم قطف ثمار شجرة الزيتون، وتسقط الأوراق غير الدائمة الخضرة من الشجر.
أشجار الزيتون في ثقافة الأرض
الزيتون هو جزء لا يتجزأ من الثقافة الزراعية والاقتصادية في العديد من الدول، وتحظى أشجار الزيتون بالاحترام والعناية، وتعد جزءًا حيويًا من المشهد الريفي والمأكولات العربية والعالمية؛ حيث إن زراعة وحصاد الزيتون هي تجربة جماعية تجمع العائلات والأجيال في مهمة مشتركة تعزز الروابط الاجتماعية والانتماء إلى الأرض.
وتحتل شجرة الزيتون، وتحديدًا غصن الزيتون، مكانة خاصة في قلوب الناس منذ قديم الزمان، وتُعتبر رمزًا عالميًا للسلام والحكمة والوفاق والتواصل، وهذه الشجرة الموجّهة للعالم ليست مقتصرة على البلدان التي تنمو فيها فقط، بل تمتد تأثيراتها لتلامس شعوب الأرض بأسرها.
وفي هذا العصر الذي يشهد جهودًا كبيرة لمواجهة تحديات تغير المناخ والتكيف معها، تزداد أهمية زراعة ورعاية أشجار الزيتون. وفي هذا السياق، تندرج حماية التراث الثقافي والبيئي، بما يشمل المناظر الطبيعية والثقافية، ويكون فرصة لتعزيز التواصل ومشاركة المعرفة والتفاعل مع هذا الرمز الرائع.
الرابط بين شتوة تشرين وأشجار الزيتون
في شهر تشرين الأول يعلن المزارعون تقديرهم للأمطار الذي تهطل في هذا الشهر حيث يعتبرونها مؤشرًا إيجابيًا على اقتراب موسم مطر جيد؛ حيث إنهم يرحبون بهذه البشرى، وينتظرونها بفارغ الصبر، خاصةً مزارعي الزيتون الذين ينتظرون شتوة تشرين لغسل أوراق الأشجار والثمار، ويحرص مزارعو الزيتون على قطف ثمار محاصيلهم بعد هطول هذه الأمطار لما لها من أثر جيد في زيادة نسبة الزيت في الثمار قبل عصرها، ما ينعكس إيجابا على كميات الزيت المستخرجة من الثمار.
تساهم أمطار تشرين في تحسين الموسم الزراعي والغطاء النباتي، بالإضافة إلى تنظيف أشجار الزيتون وزيادة نسبة الزيت في الثمار، فإن هذه الأمطار تساهم في القضاء على الآفات والحشرات الضارة، وتساعد على توفير تكاليف المبيدات الحشرية وزيادة نسبة الرطوبة في التربة بشكل عام، تعتبر هذه الأمطار هبة للمزارعين وللبيئة، وتساعد على تحسين الظروف الزراعية وتقليل التكاليف، مما يعزز من استدامة الزراعة، ويحقق فوائد متعددة على الصعيدين الاقتصادي والبيئي.
تشكل شتوة تشرين الأول وموسم الزيتون رابطًا لا ينفصل بين الزمن والثقافة في العديد من الدول العربية؛ حيث إن هذا الفصل الزراعي يجسد تراثًا حضاريًا عريقًا ومستقبلًا واعدًا من الأمل، ويعكس الموسم قيم الوحدة والتعاون، ويذكرنا دائمًا بأهمية العناية بأرضنا وتراثنا والاحتفاظ بهما للأجيال القادمة.
اعرف أيضا:
جذورنا في أراضي فلسطين...أشجار الزيتون من أقدم سكان فلسطين
هذه الفوائد الصحية التي ستحصل عليها عند تناول الزيتون
المصادر: