المناخ وعلاقتة بالهندسة المعمارية والتصميم الحضري
أحمد غسان العربيد|| للمتابعة على تويتر ahmad_alarbeed
طقس العرب- تعتبر الهندسة المعمارية من اكثر التخصصات الهندسية التي تهتم بدراسة الطقس والمناخ وتأثيراته على المنازل والمدن والدول وغيرها؛ لما له علاقة مباشرة بالتأثير على العمران والمدن والمساكن والحدائق وغيرها والتي تهتم بالإنسان والطبيعة بالدرجة الأولى.
وتراعي الهندسة المعمارية عوامل التوافق والتوازن، وتاخذ بعين الاعتبار ان محددات البيئة المحيطة تمثل حاجة ضرورية لتوفير الراحة والأمان والخصوصية واستمرار التنمية المتناغمة للإنسان والمكان لذلك فإن التوظيف الأمثل للعناصر المناخية والطبيعية المتاحة والكامنة تأخذ بالأساليب الحديثة المتوازنة وتوافق البيئة والعمران يمثل ضرورة لازمة لتحقيق المنظومة العمرانية المتجانسة.
ويرتبط تخصص الهندسة المعمارية بعلاقة ممتلازمة مع المناخ، حيث أنه لا يوجد مشروع مهما كان نوعه إلا وله ارتباطه بالمناخ، من ناحية الانارة الطبيعية والاشعاع الشمسي وارتفاع الشمس صيفًا وشتاءً، وحركة الرياح واتجاهها ومعدلات الهطول وأنواعه ودرجة الرطوبة وصولاً الى درجات الحرارة وكل ذلك يدرس على مدى الفصول الأربعة .
كما أن للمؤثرات المناخية تأثير مباشر على شكل المبنى وارتفاعه والمواد الداخلة في تصميمه وشكل فتحات النوافذ ومساحتها ودرجة انعكاس الزجاج المستخدم وصولا الى النباتات المستخدمة في الحدائق وانواعها واشكالها ... الخ.
ويسرد هذه المقال مع بعض التفصيل التأثيرات المباشرة لكل عنصر، ولكن قبل ذلك وللتوضيح يجب أن نقوم بتعريف بعض المصطلحات، منها:
- البيومناخ : هو دراسة أثر العوامل المناخية على الكائنات الحية ومنه يتضح جليا أن علم البيومناخ يدرس التأثير الحيوي للمناخ على الكائن الحي بصفة عامة وعلى الإنسان بصفة خاصة.
- الهندسة المعمارية البيومناخية: تعتني بدراسة علاقة التصميم والبناء المعماري بالعوامل المناخية.
- العمران البيومناخي: يهتم بالمستوى الخارجي ويكمل في التهيئة المجالية ككل وإضافة إلى ذلك فانه يعتني بمدي علاقة العوامل المناخية بتلوث المدن وخلق المناخ المحلي.
- الأقاليم المناخية: الإقليم المناخي التصميمي: هو منطقة من الأرض يتميز بنمط مناخي معين، يفرض احتياجات بيئة خاصة تتطلب أسلوب معالجة تخطيطية ومعمارية. وللمناخ من المنظور البيئي خمس مستويات متدرجة كالآتي :
- المناخ العالمي:
ويشمل الخصائص المناخية العامة للكرة الأرضية ويحوي عدة مناطق جغرافية ويمتد مجال تأثيره حوالي 2000كلم.
- المناخ الإقليمي:
يشمل الخصائص المناخية لمنطقة أو لإقليم ذي طبيعة محددة متشابهة في الملامح العامة، وقد يصل تأثيره حوالي 500كلم.
-المناخ المحلي:
ويشمل التغيرات المحلية في منطقة محددة من الأرض، مثل موقع الماء، يتراوح تأثيره بين 1كلم إلى 10كلم، ويتأثر المناخ المحلي بمحددات البيئة من خصائص طبوغرافية وطبيعية وغيرها من صنع الإنسان.
- المناخ الجزئي
ويشمل الخصائص المناخية في حدود من حوالي100م إلى 01كم ويتأثر بالبيئة المشيدة والتصميم العمراني.
- المناخ الداخلي
يشمل الخصائص المناخية داخل الفراغ الداخلي للمباني، ويتأثر بالبيئة الخارجية وكذلك بخصائص ومواصفات الفراغ المعماري، ولكل موقع مناخ عام يشترك فيه مع الإقليم الذي يحيط به، وله أيضا مناخ محلي خاص به، يتشكل تبعا لمجموعة من العوامل المحلية، مثل: تضاريس الموقع، وارتفاعه عن سطح البحر، كما يتم التعبير عن المناخ بواسطة مجموعة من البنايات والمعلومات المناخية، تشمل: درجات الحرارة والإشعاع الشمسي والرطوبة النسبية والرياح والأمطار.
ويتم صياغة هذه البيانات في صورة معدلات لفترات زمنية طويلة نسبيا، ومن خلال ذلك يتم التوصل إلى تشخيص حالة المناخ.
العناصر المناخية:
عند دراسة أي مشروع معماري أو عمراني، يجب ان نقوم بعملية تجميع المعلومات اللازمة عن البيئة المحيطة بموقع المشروع، حيث أن دراسة التضاريس والجيولوجيا والتربة والمياه الجوفية، والنباتات والمخاطر الطبيعية من سيول، وفيضانات وزلازل، وعناصر المناخ المحلية، ودراسة اتجاهات الرؤية والمناظر الطبيعية.
أهم عناصر المناخ التي يحتاج المعماري والعمراني لدراستها:
- الحرارة والإشعاع الشمسي
- الضغط الجوي والرياح
- الرطوبة
- الهطول وأنواعه.
هذه العناصر المناخية يتم رصدها من خلال محطات الأرصاد الجوية المنتشرة في المدن والأقاليم في صورة مجموعة من البيانات والمعلومات المناخية والتي يوفرها طقس العرب لاغلب المدن العربية والاردنية عبر هذا الرابط http://stations.arabiaweather.com
يتم تحويل القياسات المستمرة كل ساعة على مدار اليوم إلى متوسطات شهرية، ثم في صورة معدلات لفترات زمنية طويلة نسبيا لتسمح من خلالها بتحليل وتشخيص حالة المناخ لكل موقع وسوف نتناول هذه العناصر بالدراسات كمايلي:
الحرارة:
يعتبر عنصر الحرارة من أهم عناصر المناخ، وتختلف درجات الحرارة في أنحاء العالم اختلافا كبيرا، وللحرارة آثار واضحة على الإنسان والحيوان والنبات، كما أن للحرارة تأثيرا كبيرا أيضا على عناصر المناخ الأخرى مثل الضغط الجوي.
العامل الرئيس الذي يؤثر في التوزيعات الحرارية هو خط العرض، حيث أن كل المناطق التي تقع على خط عرض واحد تنال نفس القدرة من أشعة الشمس إذا استثنينا بعض العوامل المحلية التي تغير من هذه الصورة العامة، وتوجد أعلى درجات الحرارة في العروض الاستوائية والمدارية، حيث يزداد الإشعاع الشمسي في حين أن أقل درجات الحرارة نجدها عند القطبين، حيث يقل الإشعاع الشمسي إلى أقصى حد، ونلاحظ أنه في نطاق يمتد بين خط الاستواء وخط عرض 20° أو 25° شمالا وجنوبا متجهين نحو القطبين تبدأ درجات الحرارة في الانخفاض السريع>
معمارياً: توثر درجات الحرارة بصورة مباشرة على انواع العزل الواجب استخدامها في المباني، وايضا المواد للواجهات الخارجية والمواد الداخلية المستخدمة والالوان ودرجاتها ودرجة امتصاصها للحرارة
كما تؤثر على مستوى تصميم الحدائق او ما يعرف ب LANDSCAPE وهنا يجب مراعاة النباتات التي تعيش في درجات حرارة معينة بالاستناد الى المنطقة حيث ان النباتات الاستوائية مثلا لا تعيش في المناطق الباردة والعكس صحيح اما على مستوى تصميم المدن والتصميم الحضري فيجب اخذ موضوع الحرارة بعين الاعتبار خصوصا اذا كان التصميم الحضري مستندًا إلى مبدأ الاستدامة.
أشعة الشمس
تكون أشعة الشمس عمودية على خط الاستواء أثناء الإعتدالين وهما الربيعي والخريفي، حيث أن كمية الأشعة التي تصيب نصف الكرة الشمالي تساوي الكمية التي تصيب النصف الجنوبي خلال هذين الفصلين، أما في النصف الشمالي(من 22يونيو إلى 22 سبتمبر) فإن أشعة الشمس تكون عمودية على مدار السرطان ومائلة على مدار الجدي، فيكتسب نصف الكرة الشمالي كمية أكبر من أشعة الشمس، والعكس في النصف الجنوبي (من 22 ديسمبر إلى 21 مارس) حيث يكتسب نصف الكرة الجنوبي كمية أكبر من أشعة الشمس خلال ذلك الفصل، ويُضاف إلى ذلك طول النهار أثناء فصل الصيف وقصره أثناء فصل الشتاء.
وتتأثر أشعة الشمس في طريقها إلى سطح الأرض بالمحيط الهوائي الذي تمر فيه، وأهم أثر في هذا القبيل هو تقليل تلك الأشعة، ويتوقف تأثير الهواء على أشعة الشمس على عدة عوامل، منها: كمية السحب وكمية الغبار الموجودة في الهواء والأشعة المخترقة للهواء (يضيع جزءًا منها بالتبدل، وجزءًا آخر بالانعكاس إلى طبقات الجو العليا).
ويُقدر أن 35% من جملة الأشعة المرسلة من الشمس نحو الأرض تضيع بواسطة التبدد والانعكاس، فلا تستخدم في تسخين الأرض، و14% تمتص بواسطة الهواء والتي تصل إلى الأرض بطريق غير مباشر فيما بعد عن طريق تسخين الهواء لسطح الأرض، ولا يصل إلى الأرض سوى 51% من الأشعة الشمسية المتبقية.
ويعتبر الإشعاع الشمسي أحد أهم عناصر المناخ المؤثرة في الإنسان والبيئة المحيطة به معماريا، حيث:وثر الشمس على نوعية المواد المستخدمة في التصميم للمباني وقياس درجة انعكاس هذه المواد، كما أنها تؤثر على توجيه المبنى الى مناطق الاشعاع الشمسي لاكتساب المزيد من الانارة الطبيعية، أو تؤثر على حجم ومساحة الفتحات في المباني خصوصاً في مناطقنا اذا كانت الواجهات الرئيسية موجهة الى الشمال، حيث انه تتطلب التصميمات توسيع الفتحات في الاتجاه الشمالي نظراً لعدم تعرضها لاشعة الشمس المباشرة لاكتساب المزيد من الانارة الطبيعية.
وعلى مستوى تصميم الحدائق LANDSCAPE فإنه يتم اختيار بعض أنواع النباتات بدقة اعتمادا على مقدار الاشعاع الشمسي في المناطق الواقع فيها التصميم، حيث يُلاحظ أن بعض النباتات بحاجة الى اشعة شمس مستمرة لعملية البناء الضوئي، والبعض الآخر بحاجة إلى إشعاع شمسي أقل.
اما على مستوى التصميم الحضري فان اشعة الشمس تتحكم بتوجيه المدن بشكل كامل في بعض الحالات لاكتساب الانارة الطبيعية وتوجيه المباني لافضل زاوية للاستفادة القصوى من أشعة الشمس، بالإضافة الى اختيار المواقع التي يكون فيها خلايا الطاقة الشمسية.
سرعة الرياح:
يتغير شكل سرعة الرياح بالنسبة للارتفاع على سطح الأرض يتغير طبيعة الموقع، ففي المواقع المفتوحة أو فوق المسطحات المائية تصل سرعة الرياح إلى أقصى مداها عند ارتفاع 274، بينما تزيد هذه المسافة إلى 366م فوق سطح الأرض للمواقع ذات الأشجار الكثيفة والمباني المنخفضة والارتفاع ويتغير شكل سرعة الهواء ويمتد إلى أعلى حيث تصل أقصى سرعة للرياح عند ارتفاع 518م في مواقع المراكز الحضرية للمدن، حيث المباني المرتفعة والكثافة البنائية العالية التي تعوق حركة الرياح. وبصفة عامة توجد شكل معادلة يستخدم لحساب سرعة الهواء عند إي ارتفاع بأي من المواقع الثلاثة المختلفة سابقا
وبصفة عامة توجد شكل معادلة يستخدم لحساب سرعة الهواء عند إي ارتفاع بأي من المواقع الثلاثة المختلفة سابقا وهي V=Vm(h/hm)rp m/s حيث: V: متوسط سرعة الهواء عند أي ارتفاع Vm: متوسط سرعة الهواء المعلوم عند الارتفاع Hm Hm: الارتفاع المعلوم. Rp: معامل خشونة السطح والذي يساوي : 0.15 في المناطق المفتوحة. 0.29 في ضواحي المدن الصغيرة . 0.45 في منطقة وسط المدينة . وايضا بعض المعماريين يفضلون استخدام وردة الرياح لانتاج صورة شاملة وسريعة القراءة لاستخراج ملخصات سريعة عن الرياح في اي منطقة
معمارياً : توثر الرياح بصورة مباشرة ايضا على توجيه المباني وذلك للاستفادة القصوى من الهواء الطبيعي وايضاً لوضع حلول لسرعة الرياح الشديدة، وتوجيه الفراغات استناداً الى اتجاه الرياح
على مستوى تصميم الحدائق LANDSCAPE فيجب دراسة الرياح وسرعتها ودرجة حرارتها واتجاهها لاختيار نباتات تقاوم الرياح الشديدة على سبيل المثال، بالاضافة الى ان دراسة الرياح توفر على المصمم اختيار افضل الحلول لتقليل سرعة الرياح الشديدة باستخدام انواع من الاشجار تعمل على صد هذه الرياح اما على مستوى التصميم الحضري، فإن المدن اثناء تصميمها على سبيل المثال يجب توجيهها الى زوايا معينة بحيث تستفيد من الهواء الطبيعي النقي وتقاوم الرياح الشديدة.
الرطوبة النسبية
رطوبة الهواء هي كمية بخار الماء الموجودة في حجم الهواء بخار الماء ينتج عن تبخر مياه المحيطات والبحار، الكتل المائية المتجمدة والغطاء النباتي، وتنتقل من ناحية الى اخرى عن طريق الرياح.
سعة الهواء التي تحوي بخار الماء تزداد مع درجة حرارتها فمع ارتفاع الحرارة تزداد سرعة تبخر الماء حتى درجة تشبع الهواء.
عندما يحتوى الهواء على بخار الماء القادر على حفظه، يصبح متشبع، ورطوبته النسبية تكون 100%. وفي حالة المناخ الحار، تنتج المحيطات والبحار كمية كبيرة من بخار الماء الذي يؤدي الى تشبع الهواء.
تحدث للرطوبة النسبية تغيرات بين النهار والليل وبين الفصول، في حالة المناخ الذي يكون فيه الفرق في درجات الحرارة النهارية والسنوية كبير. وتتغير في المناطق الجافة بين 20% الى 50% ، وبمعدل 30- 45%.
يحدث الجفاف عند ارتفاع درجة الحرارة وندرة الامطار، وهناك ايضا التساقط والرياح
معمارياً : توثر الرطوبة في الاجواء على تصميم المباني بشكل كبير، وتؤثر على انواع المواد المستخدمة واساليب العزل وتوجيه الفراغات، فعلى سبيل المثال: في تصميم المستشفيات يجب الاخذ بعين الاعتبار ان نسبة الرطوبة المناسبة لغرف المرضى يجب ان لا تتجاوز 60% على الاقل، وأن لا تقل أيضاعن 40% لبعض الحالات.
على مستوى تصميم الحدائق LANDSCAPE فيجب الانتباه الى ان بعض انواع النباتات تتأثر مباشرة بنسبة الرطوبة الموجودة في بعض المناطق؛ لذلك وجب دراسة الرطوبة لتلك المناطق لاختيار افضل الحلول في انواع النباتات .
اما على مستوى التصميم الحضري فان الرطوبة تتحكم بمجموعة كبيرة من المباني وتؤثر مباشرة عليها.
الهطول
تختلف انواع الهطول من مكان الى اخر، كما تختلف كميات الهطول فبعض المناطق تتعرض للثلوج الكثيفة والبعض الاخر يتعرض للامطار الكثيفة وجزء آخر لا يتعرض لاي من انواع الهطول؛ لذلك وجب دراسة الهطول لكل منطقة يراد تصميم المبنى او المشروع فيها.
حيث تساعد على توفير افضل الحلول التصميمية لمواجهة مشاكل البرك المائية على سبيل المثال، وتوجيه وتجميع المياه إلى الاماكن المخصصة لها، كما انها تساعد على اختيار انواع النباتات التي بحاجة الى ري مستمر او العكس، وعلى مستوى التصميم الحضري فان دراسة الهطول وانواعه تساعد على عملية تصريف مياه الامطار الى اماكن مخصصة لتفادي حالات الفيضانات والغرق وتساعد على اختيار المقاسات المناسبة لتصريف كميات مياه الامطار
في الحقيقة تكثر التفاصيل في هذا الموضوع , ولكن هدفنا هنا اظهار اهمية المناخ وتاثيره المباشر على العمارة والعمران.
هذا الموضوع حصري لطقس العرب