بالتزامن مع COP 28... صور تحت الماء تعبر عن تغير المناخ بطريقة جديدة

كتبها ندى ماهر عبدربه بتاريخ 2023/11/05

طقس العرب - الفتاة البالغة من العمر 15 عامًا جالسًة على كرسي مهترئ، يداها مشدودتان بقوة إلى حضنها، وتراقب عينيها بغضب شديد العالم أمامها، وتبدو تنورتها البيضاء الخفيفة كأنها ترقص برقة على أنغام الهواء، ولكن في الواقع، ليس هناك نسيم يهب هنا.

المشهد يبدو طبيعيًا إلى حد ما، حتى نلاحظ التفاصيل الإضافية؛ حيث إن الخلفية تتألف من ظلال زرقاء غريبة تغطي الأرض، وتُظهر آلاف الشظايا المكسورة من المرجان، وتنتشر الشعاب المرجانية في الأفق البعيد.

هذه الصورة الرائعة للفتاة، ونظرتها الحادة تحت الماء هي جزء من سلسلة "SINK / RISE"، وهي مشروع الأحدث للفنان البصري نيك براندت حيث تجسد هذه الصور سكان جزر جنوب المحيط الهادئ، وهم يمثلون الناس الذين يواجهون فقدان منازلهم وأراضيهم وسبل عيشهم؛ بسبب تغير المناخ، على الرغم من التحديات الهائلة في تصويرهم في قاع المحيط، إلا أن براندت وجد وسيلة للتعبير عن قصصهم ومعاناتهم.

براندت يرى أن التأثير الكارثي الذي سيحدثه ارتفاع مستوى سطح البحر على حياة الملايين يصعب رؤيته وفهمه حاليا، ولذلك قرر التعبير عن ذلك رمزياً من خلال أعماله الفنية حيث إنه قال:

"أحدهم قال إن هذا الأمر في مرحلة ما بعد نهاية العالم. ولكنني أقول إنه في الواقع مرحلة ما قبل نهاية العالم، لأن هذا ما لم يحدث بعد لهؤلاء الأشخاص".

ويشير براندت إلى أهمية فهم الوضع واتخاذ إجراءات قبل أن يحدث الأسوأ. 

 

 

 

أكيسا وسكان ساحل فيجي الآخرون الذين صورهم لهذا المشروع لم يروا العالم الذي يعرفونه يغرق تحت الماء حتى الآن ولكنه يقول إن الكثير منهم سيفعل ذلك إذا استمر تغير المناخ بوتيرته المذهلة، واستمرت مستويات المياه في الارتفاع.

يقول براندت إن جزر المحيط الهادئ مثل هذه تساهم بنسبة 0.03% فقط من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، لكنها تواجه احتمالًا ينذر بالخطر بخسارة كل شيء؛ بسبب تغير المناخ على أي حال.

يقول براندت:

"إنهم الأكثر عرضة لعواقب أساليب العالم الصناعي".

 

يخشى المصور أن ينسب رسالة إلى عمله الإبداعي إنه يعلم أن المشاهدين سيكون لديهم تفسيراتهم الخاصة، ولكنه يأمل أن تساعد هذه الصور، التي تصور ما يخشى حدوثه في المستقبل، الآخرين على رؤية التأثير المدمر لأفعالهم حاليا.

 

 

كم من الوقت استغرقت جلسة التصوير؟

الجواب: استغرقت جلسة التصوير عدة أسابيع قبل البدء في هذا المشروع، وفيما يتعلق بالمرحلة الأولى من العمل، يشير براندت إلى أن الصور الوحيدة التي التقطها تحت الماء كانت للأسماك الاستوائية وهي لقطات من إجازة قام بها، والتي لفتت انتباهه بشدة.

لكن تصوير الأشخاص تحت الماء ومساعدتهم على الشعور بالراحة والظهور بشكل طبيعي تحت هذه الظروف الغريبة يعد تحديًا بلا شك، إلا أن براندت عرف أنه إذا نجح في تحقيق المفهوم الذي تصوره، فإن الصور ستكون فريدة ولا مثيل لها.

أجرى براندت حوالي 200 جلسة تجريبية مع أشخاص في حوالي 20 مكانًا مختلفًا للاستعراض، وجند محترفي الغوص لضمان السلامة وتوجيه المشاركين في الجلسات التصويرية، وفي بعض الأحيان، كان عليه الانتظار لعدة أيام عندما أثر الجريان السطحي القوي الناجم عن الأمطار الغزيرة على حالة البحر في فيجي بشكل يجعل من الصعب تصوير المشاهد.

ومع تحسن الظروف والجو، كان يتاح لبراندت نافذة زمنية ضيقة لالتقاط المشهد وتصويره، بينما يكون الفريق المصور تحت الماء.

 

تحديات وتطورات في جلسات التصوير تحت الماء

في الأيام الأولى من جلسات التصوير التي استمرت لمدة ستة أسابيع، أشار براندت إلى أن معظم العارضات لم يكن بإمكانهن سوى حبس أنفاسهن لمدة تقريبية تصل إلى 15 ثانية فقط قبل أن يحتجن إلى إعادة الاتصال بإمدادات الأكسجين تحت الماء، وكان ذلك يستغرق ما يقرب من 30 دقيقة لإعداد كل لقطة تصوير، ولكن مع مرور الوقت، تمكن بعضهن من تمديد هذه المدة إلى أكثر من دقيقة، واختصرت العملية لتستغرق دقيقة أو دقيقتين فقط حيث علق براندت قائلاً:

"كان الوصول إلى هذا المستوى من التفوق معقدًا للغاية".

 

 

 

وأشار براندت إلى أن التواصل الفعّال أثناء الجلسات كان ذا أهمية كبيرة لتوجيه العارضات أثناء التصوير، حيث استخدم براندت وفريقه اتصالات سلكية صلبة لنقل التوجيهات إلى القارب، حيث يمكن بثها بصوت واضح تحت الماء.

ويضيف براندت قائلاً:

"خلال كامل فترة التصوير، كانت العارضات وفريق الدعم مليئين بالحماس والالتزام نحو المشروع، مما ساهم في جعل كل شيء يسير بسلاسة حتى في أصعب الأيام. كانوا مدهشين ببساطة وحتى عندما انتهت الجلسات، وكان بإمكانهم الاستراحة والعودة إلى القارب للتحدث، كانوا يعودون إلى الماء لمساعدة على كل شيء."

 

 

لم تكن هذه الغواصات في أعماق البحار، بل كانت معظم الصور التي التقطتها براندت على عمق يتراوح بين 2 و4 أمتار، أي ما يعادل حوالي 7-13 قدمًا تحت سطح الماء ورغم الطابع الجذاب لتلك المشاهد اليومية، إلا أن هناك خطرًا حقيقيًا يكمن وراء هذا المظهر الطبيعي وبحسب براندت.

 

مغامرة خطيرة في أعماق البحار... خطر تغير المناخ يهدد الجمال البحري

"إذا صعدت إلى السطح بعد أن حبست أنفاسك، وأخذت نفسًا على ارتفاع 8 أقدام، فإنه ما زال هناك خطر يمكن أن يؤدي إلى تلف الرئتين". 

 

 

المدير المختص في الغوص، المعروف باسم فيتي، كان يعي جيدًا مدى خطورة هذه الظروف، وكان يعرف أهمية مشروع براندت. فيتي، الذي يبلغ من العمر 53 عامًا، ويعيش في فيجي منذ الأزل، ويعي جيدًا تأثيرات تغير المناخ على هذه الدولة الجزيرة، حيث تعرضت لزيادة في الأعاصير الاستوائية في السنوات الأخيرة والمسؤولين في فيجي وصفوا التغير المناخي بأنه أكبر تهديد أمني في المنطقة، وحثوا الزعماء العالميين على زيادة جهودهم للمساعدة، مخصصين العديد من المجتمعات الساحلية لعمليات النقل إلى مناطق مرتفعة.

 

 

نيوتابوا هو ناشط متخصص في الحفاظ على البيئة، وقد قاوم لسنوات من أجل إقناع الآخرين داخل وخارج بلاده بأهمية الاستماع إلى تحذيرات حول مخاطر تغير المناخ والأضرار التي تتسبب فيها للحياة البرية التي يعتزم الحفاظ عليها.

ويعتبر لقاؤه ببراندت هدية من الله بالنسبة لنيوتابوا، حيث يؤكد أن براندت يبذل ما في قلبه في محاولة لإظهار للعالم مدى معاناة الناس ويضيف نيوتابوا:

"إنه يقوم بهذا التحرك نيابةً عن سكان جزر المحيط الهادئ، وليس فقط على سكان تلك الجزر، بل على جميع سكان الجزر المنخفضة على وجه هذا الكوكب. هذه هي قصتنا."

 

 

 

بالنسبة لنيوتابوا، تظهر صور براندت السريالية حقيقة واضحة للغاية حيث يعيش مدير الغوص على مقربة من شاطئ مثالي على طول الساحل، ولكنه، مثل الكثيرين في فيجي، يقوم ببناء منزل في الداخل مع الأمل في أن يكون لديه فرصة أفضل لمواجهة آثار العواصف العاتية.

نيوتابوا يشدد على أنهم لم يسببوا هذا، بل هم ضحايا في جزر المحيط الهادئ ومع ذلك، يرى أن الجميع على وجه الأرض، بما في ذلك سكان فيجي، يجب أن يعملوا جاهدين لتغيير المسار والتخفيف من آثار تغير المناخ قبل فوات الأوان.

الصور التي تحت الماء تنقل رسالة قوية حول كل شيء، بدءًا من فقدان الطفولة حتى الأمل في المستقبل، ويلاحظ براندت أنه بدأ يفهم المزيد أيضًا عن التأثير البيئي عندما بدأوا التصوير في موقع على بعد حوالي كيلومتر واحد من الشاطئ قبالة جزيرة فانوا ليفو في فيجي، وكان قاع البحر مغطى بقطع المرجان المكسورة؛ حيث إنه أضاف قائلاً:

"كل هذا حدث بفعل الأعاصير المدارية القوية نتيجة تغير المناخ، ونرى الدمار الذي يسببه الإعصار المداري عندما يجتاح اليابسة، يقتلع المباني ويجرف الأشجار، ولكن ما لم نكن ندركه هو ما يحدث تحت الماء أيضًا، ولقد شهدنا اندثاراً كاملاً للشعاب المرجانية، وتحطمها إلى ملايين القطع."

 

 

ردود الفعل المدهشة تجاه الصور... مزيج من الظلام والأمل

منذ أن شارك براندت صوره لأول مرة علنًا على موقعه على الإنترنت مؤخرًا، يُعبّر عن إعجابه بكيفية استجابة المشاهدين؛ حيث إنه يشير إلى أن المشاهدين يعودون بشكل متكرر إلى صوره الفوتوغرافية، وفي كل مرة يكتشفون مشاعر مختلفة على وجوه الأشخاص الموجودين في الصور، ويمكنهم أن يروا كل شيء، من الأمل إلى المرونة، وحتى الاستسلام.

وهكذا، تكون الصورة نفسها قادرة على أن تكون مظلمة ومليئة بالأمل في الوقت ذاته، ويرتبط هذا بمفهوم أشار إليه براندت وهو "تشاؤم الفكر، وتفاؤل الإرادة" من الناحية الفكرية، يمكن أن تبدو الأمور مظلمة عندما ننظر إلى تأثيرنا في كوكب الأرض والتغيرات المتقلبة في طريقنا نحو نهاية العالم والدمار البيئي ومع ذلك، يرى براندت أن هناك تفاؤلاً في الإرادة، حيث يمكن للإصرار أن يجلب تغييرًا إيجابيًا، ويقلل من الضرر، ويشير إلى أهمية أن يصبح البشر أسلافًا أفضل من خلال تحسين علاقتهم بالبيئة والعمل معًا للحفاظ على كوكبنا.

 

 

"SINK / RISE" هو الفصل الثالث في مشروع ضخم الذي كان براندت يعمل عليه على مدى السنوات السابقة والفصلين الأولان كشفا عن تأثير تغير المناخ على الناس والحيوانات في كينيا وزيمبابوي وبوليفيا وتمامًا مثلما حدث مع الفصول السابقة، سيتم تحويل "SINK / RISE" إلى كتاب، وسيُعْرَض في معارض الفنون.

براندت يشير إلى أن الازدواجية التي يراها الأشخاص في هذه الصور الأخيرة تعكس موضوعًا مشتركًا يربط بين الصور جميعهم.

وعنوان المشروع الكبير بأكمله، "The Day May Break"، يلمح إلى نقطة تحول مهمة تواجهها المجتمعات حاليًا.

براندت يعبر قائلًا:

"قد يكون النهار القادم مفجرًا والأرض تتشقق، أو قد يكون مليئًا بأشعة الشمس وتشرق الفجر".

وكما يرى براندت، ما يحدث بعد ذلك يعتمد على الخيارات التي تتخذها البشرية.

 

اعرف أيضا:

سؤال وجواب عن COP 28

إلى ماذا يرمز شعار COP 28؟

الفائزون في مسابقة التصوير المجهري للعالم الصغير من نيكون لعام 2023

 


المصادر:

cnn

 

 

 



تصفح على الموقع الرسمي



مرصد كوبرنيكوس: نوفمبر 2024 ثاني أكثر شهر نوفمبر دفئًا على الإطلاقالسعودية تطلق مبادرة رائدة لمكافحة الجفاف في "كوب 16" الرياض لتسريع وتيرة العمل العالميمرصد الزلازل : لم يسجل أي هزة أرضية في الأردنالأردن | الأداء المطري حتى تاريخه هو الأضعف منذ عقود في المملكةكتلة هوائية باردة تترافق بانخفاض واضح على درجات الحرارة نهاية الأسبوعمركز طقس العرب يُصدر توقعات فصل الشتاء 2024/2025 في قطاع غزةالشاكر يُوضّح بالخرائط: ٣ اسباب رئيسية لضعف الموسم المطري وتفاصيل مقارنة الوضع الحالي مع السنوات السابقةتغيرات جوهرية على حالة الطقس ودرجات الحرارة تتجاوز الـ20°م في بغداد ثم تتبع بانخفاض حاد.بالفيديو | هل بالضرورة البداية الضعيفة للموسم المطري تعني أنه سيكون حتماً موسماً ضعيفاً؟