بواسطة خلية عملاقة العلماء يكتشفون جوف الأرض
طقس العرب - في رواية جول فيرن الكلاسيكية "رحلة إلى مركز الأرض" التي نُشرت في عام 1864، تُصوّر مغامرون ينزلون عبر بركان آيسلندي إلى عالمٍ شاسع تحت سطح الأرض، وهناك يكتشفون مخلوقات ما قبل التاريخ، ويتعاملون مع تجربة خيالية، ولكن الواقع الفعلي للهيكل الداخلي للأرض يُظهر أنه هناك بعض الجوانب أكثر تعقيدًا وإثارة.
فقد أعلن باحثون يوم الثلاثاء إن دراسة مكثفة لعمق الأرض الداخلي، استنادًا إلى سلوك الموجات الزلزالية الناتجة عن الزلازل الكبيرة، قد أكدت وجود بنية فريدة داخل النواة الداخلية للكوكب، وهذه النواة الداخلية هي كرة صلبة شديدة الحرارة مكونة من الحديد والنيكل، تقع على بعد حوالي 800 ميل تحت سطح الأرض وبقطر يبلغ 1,350 كم.
يُذكر أن الأرض تمتلك قطرًا يبلغ حوالي 7900 ميل (12750 كم)، وتتكون من هياكل داخلية متعددة تتضمن القشرة الصخرية الخارجية، والنواة الخارجية المكونة من المواد المنصهرة، والنواة الداخلية الصلبة، واكتشف هذا اللب الداخلي المعدني، الذي يتراوح عرضه حوالي 1500 ميل (2440 كم)، في الثلاثينيات من القرن العشرين، بناءً على تحليل الموجات الزلزالية التي تنتقل عبر باطن الأرض.
اكتشاف اللب الداخلي للأرض... رحلة في عمق الكوكب
في عام 2002، قام العلماء بتقديم اقتراح مُدهش حول اللب الداخلي للأرض، حيث اقترحوا أن هذا اللب الداخلي يمكن وصفه على أنه مكون من قسم عميق يتميز بطبقة مستقلة تشبه دمية ماتريوشكا الروسية وبفضل التقدم المستمر في رصد الزلازل، تم تأكيد هذا الاقتراح.
تعمل الزلازل على إطلاق موجات زلزالية التي تنتقل عبر الكوكب، وتكشف هذه الموجات عن ملامح الهيكل الداخلي للأرض بناءً على تغيرات في سير تلك الموجات ولحد الآن، تمكن العلماء من رصد تلك الموجات، حين ترتد وتعبر الأرض مرتين، من جهة إلى جهة أخرى، ثم تعود مجدداً، وفي هذا السياق، قام الباحثون بدراسة مكثفة لموجات ناشئة عن أكثر من 200 زلزال بقوة تجاوزت 6.0 على مقياس ريختر، وتمثلت هذه الموجات في تحركها داخل الأرض بشكل مشابه لكرات بينج بونج تتردد داخل الكوكب.
وقال ثانه سون فام، العالم المختص في دراسة الزلازل في الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا، وهو الباحث الرئيسي في هذه الدراسة التي نُشرت في مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز":
"من خلال تحليل سجلات الحركة الأرضية الرقمية المعروفة باسم مخططات الزلازل، لمناطق الزلازل الكبيرة خلال العقد الماضي، تمكنا من دراسة هذه الظاهرة. وتم تحقيق هذا الإنجاز بفضل التوسع الهائل في شبكات رصد الزلازل على الصعيدين الوطني والعالمي، وخاصة بوجود شبكات كثيفة في المناطق المجاورة للولايات المتحدة وشبه جزيرة ألاسكا وأعلى جبال الألب الأوروبية".
ويجدر بالذكر أن الغلاف الخارجي للنواة الداخلية ومجالها الداخلي الذي تم تأكيده حديثًا يتمتعان بدرجات حرارة عالية بما يكفي ليسببا الانصهار، ولكنهما في الواقع يتكونان من سبيكة صلبة تتألف من الحديد والنيكل نتيجة للضغط الهائل في مركز الأرض، مما يجعلهما في حالة صلابة تحمي الهيكل الداخلي للكوكب وكما قال هرفوي تكاليتش، عالم الجيوفيزياء في الجامعة الوطنية الأسترالية والمشارك في هذه الدراسة:
"فعليًا، حيث إنها كروية صلبة بحجم يقارب حجم بلوتو وأصغر قليلًا من القمر".
إذا نجحنا بطريقة أو بأخرى في فك الأرض إلى عناصرها الداخلية عن طريق إزالة قشرتها وطبقتها الخارجية السائلة، سيظهر اللب الداخلي كجسم ساطع مثل النجم وبحسب تكاليتش، يصل تقدير درجة حرارته إلى حوالي 5500-6000 درجة مئوية (9930-10830 فهرنهايت)، وهذا مماثل لحرارة سطح الشمس.
وفام أشار إلى أن الانتقال من الجزء الخارجي للنواة الداخلية إلى الأعماق يحدث تدريجياً، وليس بشكل حاد، ونجح الباحثون في التمييز بين الاثنين؛ بسبب سلوك مختلف للموجات الزلزالية وأضاف:
"ربما يعود السبب في ذلك إلى الترتيبات المختلفة لذرات الحديد في ظروف درجات الحرارة والضغوط العالية، أو تنظيم البلورات المتنامية المفضل".
يزداد حجم اللب الداخلي ببطء على حساب اللب الخارجي نتيجة تصلب المواد المنصهرة مع تبريد الأرض بشكل تدريجي، كما حدث منذ تكوين الأرض قبل حوالي 4.5 مليار سنة وختم فام بالقول:
"الحرارة الكامنة التي تنبعث من تصلب اللب الداخلي للأرض تدفع حمل الحرارة في اللب الخارجي السائل، مما يسهم في إنشاء المجال المغناطيسي الأرضي. بفضل هذا المجال المغناطيسي، يحمي الكوكب من الأشعة الكونية الضارة، والتي تؤدي دورًا حاسمًا في توفير البيئة المناسبة للحياة على الأرض".
عن طريق خلية عملاقة العلماء يكتشفون جوف الأرض
أشارت تقارير موقع "فرانكفورتر روند شاو" الألماني إلى أن بعض ذرات الحديد في نواة الأرض تظهر قدرة عجيبة على التنقل بسرعة، ويبدو أنها تمكنت من تبادل مواقعها في أقل من الثانية، مع الحفاظ على تركيبها الجزيئي الأساسي.
يعرف هذا النوع من الحركة بـ "الحركة التجمعية"، وهي ظاهرة يمكن مشاهدتها في العديد من سياقات الحياة اليومية، مثل تشكيل أسراب الطيور وقطعان الحيوانات، بالإضافة إلى حركة الأفراد في التجمعات البشرية وحركة المرور.
في مختبر بدلا من جوف الأرض
تكمن التحديات في دراسة النواة الداخلية للأرض في ظروفها القاسية، حيث تسجل درجات حرارة مرتفعة جداً وضغط يصل إلى مستويات الانصهار، ولكن من خلال الاختبارات المُجراة في المختبر واستخدام النماذج النظرية، نجح الباحثون في الكشف عن مؤشرات تفيد بأن الذرات في نواة الأرض تظهر حركة غير مسبوقة.
وقد أسهم هذا الاكتشاف في فهم أفضل للسمات الفريدة لنواة الأرض التي كانت محط اهتمام العلماء لفترة طويلة، مثل تكوين مجال الأرض المغناطيسي بدقة.
باستخدام نموذج مصغر لنواة الأرض في المختبر، بدأ الفريق بإطلاق جسيمات بسرعة على لوحة صغيرة مصنوعة من الحديد، مما أسفر عن بيانات حول درجات الحرارة والضغط والسرعة وثم تم استخدام هذه البيانات في نموذج حاسوب يمثل الذرات في نواة الأرض باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
من خلال هذا النموذج الذي تم إنشاؤه باستخدام الذكاء الاصطناعي، تم إنشاء "خلية عملاقة" تحتوي على حوالي 30000 ذرة، وقد سمح هذا النموذج بالتنبؤ بخصائص الذرات بدقة أكبر وما لفت الانتباه كانت حركة الذرات التي ظهرت بشكل غير متوقع، حيث تمكنت مجموعات منها من التحرك وتبادل مواقعها، مع الحفاظ على ترتيبها الأساسي.
وهذه الحركة غير المتوقعة للذرات قد تساهم في تفسير سبب تسجيل قراءات الزلازل لنواة الأرض الداخلية بسهولة أكبر وقابلية للتشكيل بمقدار أكبر مما كان متوقعًا تحت هذا الضغط العالي، قد اقترحت إحدى الفرق البحثية الأخرى أن هناك احتمال وجود حديد سائل داخل النواة الداخلية للأرض.
وهذا الاكتشاف يلقي الضوء على سرية الحركة غير المألوفة للذرات في نواة الأرض، ويفتح آفاقا جديدة لفهم العمليات الديناميكية والتطور في هذا المكون الأساسي لكوكبنا.
أعرف أيضا:
ماذا لو كان هناك مرايا في الفضاء؟
المصادر: