دراسة حديثة وخريطة عالمية لمعالجة التغير المُناخي البشري
طقس العرب - على مر السنوات، ولا سيما في السنوات الأخيرة، أظهرت الأبحاث مرارًا وتكرارًا التأثير الهائل لنظامنا الغذائي وأنماط تناول الطعام على البيئة والكوكب. نظام الغذاء الحالي يسهم بما يعادل ثلث الانبعاثات الكربونية العالمية، ومنها تقريبًا 60٪ تأتي من صناعة اللحوم.
التحول من الأنظمة الغذائية الحيوانية إلى النباتية مُفيد للبيئة
تربية الماشية تسهم في إنتاج ما بين 11% و19.5% من إجمالي انبعاثات غازات الدفيء على سطح الكوكب. وما زاد على ذلك هو أن البحوث أكدت أن المنتجات الحيوانية، مثل اللحوم ومنتجات الألبان، تُسبب انبعاثات ثانوية تفوق ضعف الانبعاثات الناتجة عن الأطعمة النباتية.
أظهرت الدراسات أيضًا أن التحول إلى أنظمة غذائية نباتية يمكن أن يقلل من الانبعاثات الكربونية والتلوث المائي، ويقلل من استغلال الأراضي بنسبة تصل إلى 75% مقارنة بالأنظمة الغذائية الغنية باللحوم. علاوة على ذلك، يمكن أن يُقلل استبدال نصف استهلاك اللحوم ومنتجات الألبان ببدائل نباتية من الانبعاثات الزراعية واستخدام الأراضي بنسبة 31%.
هذا التحول سيؤدي أيضًا إلى تقليل مساحة الأراضي المستخدمة لتربية الماشية بنسبة 12%، وتقليل استهلاك المياه بنسبة 10%، وتوقف عمليات إزالة الغابات.
إذا استمرينا في السيناريو الحالي وزاد الطلب العالمي على اللحوم، فمن المتوقع أن يزيد استهلاك اللحوم بنسبة تصل إلى 14% بحلول عام 2030. وفي هذا السياق، أظهرت دراسة حديثة نُشرت في مجلة "هيليون" أنه ينبغي علينا أن نتخذ إجراءات فورية وجادة لمواجهة تغير المناخ. تقدم هذه الدراسة خارطة طريق تعتمد على ثلاثة نهج رئيسية:
- تحول إلى نظام غذائي نباتي مع التخلص التدريجي من الزراعة الحيوانية
- اعتماد نهج "كل أشكال الحياة"
- توحيد التدابير البيئية والاجتماعية والمؤسسية (ESG)
وتشير الدراسة إلى أن لدينا سبع إلى ثماني سنوات فقط للقيام بتغيير جذري لمعالجة أزمة المناخ، وتشجع على اتخاذ الإجراءات الملموسة بسرعة للتخفيف من تأثير الأنشطة البشرية على البيئة والمناخ.
وفيما يلي الخطوات التي يمكن أن تساعد في الانتقال إلى مستقبل أفضل للإنسان والكوكب على حد سواء:
- التخلص التدريجي من الزراعة الحيوانية
- تشريعات أكثر صرامة لرعاية الحيوان
- إدراك أن جميع أشكال الحياة على الأرض مترابطة
- إنشاء هيئة تنظيمية للحد من الغسل الأخضر
التخلص التدريجي من الزراعة الحيوانية
على الرغم من التأثير البيئي الكبير للزراعة الحيوانية، إلا أن المؤلفين يلاحظون أن تخفيض حجمها والتوجه نحو التخلص التدريجي منها غالبًا ما يتم تجاهله في العديد من الاقتراحات والحلول لمواجهة تغير المناخ. ومن الجدير بالذكر أن هذه الخطوة يمكن أن تساهم في توفير نسبة كبيرة من الحد من انبعاثات الكربون اللازمة للحفاظ على ارتفاع درجة حرارة العالم دون تجاوز الحدود الآمنة (2 درجة مئوية) بحلول عام 2100، حيث يمكن أن يسهم التخلص التدريجي من الزراعة الحيوانية بنسبة 52% من الانخفاض الصافي اللازم لتحقيق هذا الهدف. ومن هذا المنطلق، يعد وقف تربية الماشية وخاصة لحوم البقر ومنتجاتها أحد الخطوات الرئيسية للحد من الانبعاثات الضارة بالبيئة.
وفي الواقع، فإن الإقلاع عن الزراعة الحيوانية الصناعية قد يمنحنا الفرصة لتطوير التكنولوجيا التي يمكن أن تلعب دورًا في الانتقال إلى مصادر طاقة نظيفة وخالية من الوقود الأحفوري. يشدد الباحثون على أنه من الضروري أن نميز بين تربية المصانع والأشكال الأخرى من الزراعة الحيوانية، حيث يُشار إلى أن تربية المصانع (CAFOs) هي الطريقة التي يتم فيها تربية معظم الحيوانات في الولايات المتحدة وتشمل الدجاج والخنازير والديوك الرومية والدجاج والأسماك بنسبة تفوق 98%، بالإضافة إلى 70% من الأبقار. وبالتالي، فإن مقترحهم للتخلص التدريجي من الزراعة الحيوانية الصناعية يشمل تربية المصانع لجميع الحيوانات البرية والمائية.
تشريعات أكثر صرامة لرعاية الحيوان
وبالمثل، يعد التدخل الحكومي أمرًا ضروريًا. يشدد المؤلفون على ضرورة وضع تشريعات أكثر صرامة لتحديد معايير رعاية الحيوان وفرض قيود تشريعية على مواقع مزارع المصانع. وبالإضافة إلى ذلك، يجب عمل حملات إعلامية عامة عبر وسائل الإعلام لتوضيح فوائد النظام الغذائي النباتي والمخاطر المرتبطة بتربية الماشية.
ويشير المؤلفون إلى أن استثمارات الشركات في الزراعة الحيوانية أصبحت متزايدة المخاطر نتيجة تأثيرها البيئي على تغير المناخ. لذلك، يعتبرون سحب الاستثمارات من هذه الشركات بأنه أمر بالغ الأهمية إذا أردنا تحقيق مصادر غذائية تكون أقل ضررًا على البيئة.
إدراك أن جميع أشكال الحياة على الأرض مترابطة
وتقترح الدراسة اعتماد نهج حياة كاملة، حيث يجمع المجتمع العلمي وسياسة الحكومة وسلوك الشركات وسياساتها. ويمكن تحقيق تغيير في العقليات العالمية من خلال التعليم والتوعية.
تشير الدراسة إلى أن نهج الحياة الكاملة يعترف بالترابط العميق بين جميع أشكال الحياة على كوكب الأرض وضرورة حمايتها، وينتقل من نموذج مركز حول الإنسان إلى نموذج مركز حول الأرض. كما تؤكد على أهمية التعاون والعمل المشترك.
وتضيف أن هذا النهج يشدد على أن صحتنا وصحة كوكب الأرض مرتبطتان بشكل وثيق بصحة ورفاهية جميع الكائنات الحية.
إنشاء هيئة تنظيمية للحد من الغسل الأخضر
وأخيرًا، تؤكد الدراسة على أهمية توحيد التدابير العالمية للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، والتي تؤثر بشكل كبير على موثوقية وصحة تقييمات المعايير ومصداقية وشفافية إفصاحات الشركات. تقترح إنشاء هيئة تنظيمية مستقلة وغير ربحية للتحقق من تنفيذ مثل هذه التدابير والحد من الغسل الأخضر. وتشير إلى أن هذه التدابير ستكون لها تأثير كبير على أداء الشركات والحكومات والمساءلة والفعالية، مما يوفر إرشادات هامة للمستثمرين الأفراد والمؤسسات.
يجب أن ندرك أن التركيز على الحد من انبعاثات غازات الدفيئة يعالج أعراض السبب، والسبب الحقيقي هو عدم الاستدامة العالمية الشاملة. لتحقيق تغيير جوهري طويل الأمد، والذي سيعود بالفائدة على الأجيال الحالية والمستقبلية وسيساهم في إنقاذ كوكب الأرض، نحتاج إلى تغيير عقليتنا وسلوكنا كأفراد ومجتمعات وشركات وحكومات ومواطنين عالميين.
المصدر: المستقبل الأخضر