في ظل التغير المناخي .. القطب الشمالي كعكة وروسيا تقسم شرائحها
طقس العرب - تنظر روسيا إلى القطب الشمالي كموروث ثمين، حيث تتخذ منه منصة لتحقيق مصالحها، وتُلقِّنه كمصدر للثروات الطبيعية وفرص اقتصادية هائلة. وبالفعل، فهي تعتبر المتلقي الرئيسي للمنطقة، حيث تقوم بتقسيم الأراضي وفقًا للخطوط الساحلية المحيطة بها، مما يعكس استراتيجيتها الرامية إلى الاستفادة القصوى من موارد القطب الشمالي.
ومع ذلك، فإن هذه الفكرة معقدة بسبب طبيعة القطب الشمالي غير المثالية، حيث يتنافس العديد من الدول على الموارد ويتعارض معاهدات الحدود الطويلة والمياه الدولية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لم توضح بوضوح من يمتلك حقوق السيادة على هذه المنطقة والموارد فيها.
في ظل تغير المناخ الذي أدى إلى ذوبان الجليد، أدركت روسيا - وهي أكبر دولة في العالم تمتد عبر 11 منطقة زمنية - أن حدودها الأطول التي تمتد فوق الدائرة القطبية الشمالية أصبحت مكشوفة. وأدى هذا الوضع إلى إعادة تنظيم التفكير العسكري الروسي، وتبني استراتيجية توسعية كبيرة في القطب الشمالي.
قام الرئيس بوتين ببناء العديد من القواعد العسكرية في المنطقة، وقام بتخصيص مليارات الدولارات لإنشاء طريق شحن جديد يطمح في يوم من الأيام أن ينافس قناة السويس المصرية. كما طالب بتوسيع الاستكشاف في القطب الشمالي واستغلال الموارد الطبيعية المحتملة، بما في ذلك سلاسل الجبال تحت الماء التي يُعتقد أنها تحتوي على موارد هائلة وغير مستغلة.
منذ عام 2005، أُعيدَ فتح ما لا يقل عن 50 قاعدة عسكرية في روسيا، والتي تعود إلى الحقبة السوفياتية، وتشمل ذلك 13 قاعدة جوية و10 محطات رادار و20 موقعًا حدوديًا.
بالإضافة إلى ذلك، قامت روسيا بتحديث أسطولها الشمالي، حيث تم تحديث عدد من الغواصات النووية القادرة على إطلاق أسلحة نووية بعيدة المدى. كما تم تطوير صواريخ جديدة تتميز بسرعة تفوق سرعة الصوت، وقد صممت للتفادي من أجهزة الاستشعار والدفاعات الأميركية.
روسيا تمتلك أكبر عدد من القوات المتمركزة في منطقة القطب الشمالي، كما تقوم بانتظام بتنفيذ تدريبات تكتيكية في هذه المنطقة. وتمتلك أيضًا أكبر أسطول لكاسحات الجليد في العالم، حيث يفوق بشكل كبير عدد السفن التابعة لدول حلف شمال الأطلسي الأخرى. كما أن عدد القواعد الروسية في الدائرة القطبية الشمالية يتجاوز بثلاثة أضعاف عدد قواعد حلف شمال الأطلسي في هذه المنطقة.
يُقدَر من قبل بعض الخبراء أن الدول الغربية ستحتاج إلى ما لا يقل عن عشر سنوات لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة لمواجهة القوات الروسية. وهذا التفوق العسكري يشكل تحديًا كبيرًا لحلف شمال الأطلسي، حيث يمكن لروسيا من خلاله تعطيل الخطوط البحرية الحيوية بين أميركا الشمالية وأوروبا بشدة.
روسيا تستثمر في بناء محطات طاقة نووية عائمة لتأمين الكهرباء والتدفئة في جميع المناطق، بالإضافة إلى إطلاق قمر صناعي لمراقبة حركة تدفق السفن.
كما توسعت روسيا في بناء السفن، وتجهيز أسطول جديد من 40 سفينة قطبية، تتضمن ناقلات للنفط وسفن إنقاذ ودعم، بالإضافة إلى 8 كاسحات جليد تعمل بالطاقة النووية. هذا يعني أساسًا قدرتها على اختراق الجليد القطبي السميك وإنشاء مسارات تسمح للسفن التجارية بالمرور بسهولة.
كجزء من هذه الخطط، تقوم الصين ببناء عدة أرصفة صينية في شمال روسيا في الموانئ التي لا تستوعب كميات كبيرة من الشحن، بالإضافة إلى بناء خطوط سكك حديدية جديدة لخدمة هذه الموانئ، وإقامة خط طوله 500 كيلومتر لربط بيرم في جبال الأورل بعدة مدن موانئ شمالية.
على الرغم من تكاليف هذا المشروع الهائلة، إلا أنها تعتبر ضئيلة مقارنة بالأرباح المتوقعة، حيث من المتوقع أن ينتج المشروع 25 مليون طن من النفط بحلول عام 2025 و100 مليار طن بحلول عام 2030 بمجرد تشغيله بكامل طاقته.
هذا المشروع الضخم، الذي يتميز بتكلفته الهائلة وضخامته وتأثيره المستقبلي الذي سيؤثر بلا شك على مستقبل روسيا والعالم، يبرز طموحات بوتين في السيطرة على القطب الشمالي ويضع التوسع الإقليمي لروسيا تحت الضوء بشكل أكبر. وهذا يثير قلق العديد من الدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي حذرت روسيا مبكرًا من التقدم في هذه المشاريع. وتذكرت الولايات المتحدة روسيا بأن طريق بحر الشمال والممر الشمالي الغربي يستخدمان كممرين للملاحة الدولية ولا يخضعان لسيطرة حصرية من موسكو، على الرغم من أن جزءًا كبيرًا من هذا الطريق يقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لروسيا وفقًا للقوانين الدولية.
حتى قبل أن يغير الغزو الروسي لأوكرانيا الحسابات الإستراتيجية للغرب، كان ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 قد أثار قلق جيرانها بشكل متزايد. فقد أظهر هذا العمل أنه عندما تعتقد روسيا أن لديها قضية قوية بما فيه الكفاية، فإنها لن تتردد في استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافها، متحدية الأعراف الدولية.
إقرأ أيضًا:
اقتصاديات التغير المناخي .. مصائب عند قوم وفوائد عند آخر
الاحتباس الحراري العالمي يلعب دورًا مهمًا في روسيا
كنوز القطب الشمالي المُتجمدة .. ما موقف روسيا؟
المصدر: الجزيرة