كنوز القطب الشمالي المُتجمدة .. ما موقف روسيا؟
طقس العرب - كانت السيطرة على موارد القطب الشمالي الغنية وقيمتها الإستراتيجية طموحًا للقادة السوفيات والروس على مرّ العصور، ولا يختلف بوتين عن ذلك، فهو يسعى إلى جعل القطب الشمالي ركيزة لعودة روسيا إلى مكانتها كقوة عظمى.
وفي منتدى القطب الشمالي الذي عُقِد في مدينة أرخانجيلسك في شمال روسيا في أبريل/نيسان 2017، أقر بوتين بذلك مبينًا أن ظاهرة الاحتباس الحراري وذوبان الجليد في القطب الشمالي تُعتَبَر مفيدة لاستخدام المنطقة للأغراض الاقتصادية.
تغير المناخ يتحول إلى أزمة تاريخية .. ما موقف روسيا؟
قبل عقد من الزمان، تحديدًا في عام 2007، وضع الغواصون الروس عَلمًا في قاع القطب المتجمد الشمالي، بجانب علم أمريكي لا يزال مرفرفًا على القطب الجنوبي، في محاولة لتأكيد ملكية موسكو على ما يقرب من مليون كيلومتر مربع من منطقة مترامية الأطراف، والتي تتمتع بثروات معدنية غنية.
قامت روسيا بذلك في وقت تحوّل فيه تغير المناخ في جميع أنحاء العالم إلى أزمة تاريخية، حيث أصبح الاحتباس الحراري يشكل مخاطر جسيمة. على الصعيد العالمي، فإن ارتفاع درجة حرارة المناخ يُعتبر كارثة تهدد الأرواح وسبل العيش، حيث تتسبب في الفيضانات والتصحر والحرائق والجفاف. هذه الظواهر تهدد بجعل مناطق شاسعة أقل صلاحية للسكن، كما أنها تؤدي إلى حدوث أكبر هجرة للاجئين في التاريخ. ولمواجهة هذه الأزمة، يتطلب الأمر جهودًا هائلة وإنفاقًا كبيرًا للتصدي لها.
تتشابه العواقب بالنسبة لروسيا، حيث ترتفع درجة الحرارة بمعدل 2.5 مرة أسرع من باقي أنحاء العالم. وفي عام 2020، شهدت مناطق في جميع أنحاء روسيا أعلى درجات الحرارة على الإطلاق، مما ساهم في وقوع حرائق غابات تمتد على مساحة تعادل مساحة اليونان. نتج عن هذه الحرائق إطلاق ثلث كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مقارنة بعام 2019.
دورات التجميد والذوبان الأكثر دراماتيكية تؤدي إلى تآكل البنية التحتية الحضرية في مدن القطب الشمالي الروسي، حيث يسكن أكثر من مليوني شخص. هذا يشكل خطرًا متزايدًا على خطوط أنابيب النفط والغاز الروسية، التي يبلغ طولها 200 ألف كيلومتر، بالإضافة إلى آلاف الأميال من الطرق وخطوط السكك الحديد، التي تربط بعضًا من أوسع أنهار روسيا.
إطلاق كارثي محتمل للكربون في الغلاف الجوي
قد يؤدي هذا إلى إطلاق كارثي محتمل للكربون في الغلاف الجوي، وهو ما لن يمثل مشكلة لروسيا وحدها بعد الآن. ووفقًا لإحدى الدراسات، فإن الانخفاض بنسبة 30 إلى 99% في التربة الصقيعية التي تغطي ما يقرب من ثلثي الأراضي الروسية، قد يضع الكرة الأرضية "على حافة الهاوية" بحلول نهاية القرن.
من المتوقع أن تؤدي التحولات الجذرية في أنماط الطقس العالمية - والتي تسارعت بسبب ارتفاع درجة حرارة مياه القطب الشمالي وتقلُّص الغطاء الجليدي - إلى زيادة حالات الجفاف في مناطق "سلة الخبز" الزراعية الغنية بجنوب روسيا. وهذا قد يشكل خطرًا على الأمن الغذائي العالمي، مع تهديد الصادرات الروسية الأساسية مثل القمح.
ومن الممكن أن تؤدي زيادة حالات الجفاف والفيضانات وحرائق الغابات وأضرار التربة الصقيعية والأمراض إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3% سنوياً في العقد المقبل، وفقًا لغرفة الحسابات في الاتحاد الروسي.
وقد تكلف الأضرار المناخية التي تلحق بالمباني والبنية التحتية وحدها روسيا ما يصل إلى 9 تريليونات روبل (99 مليار دولار) بحلول عام 2050، وذلك وفقًا لنائب وزير تنمية الشرق الأقصى والقطب الشمالي الروسي، ألكسندر كروتيكوف.
الحد من ارتفاع درجات الحرارة لا يمنع الجليد من الاختفاء
ويحذر العلماء من أن الحد من ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية إلى أقل من درجتين مئويتين قد لا يمنع الجليد البحري في القطب الشمالي من الاختفاء في فصول الصيف هذا القرن، حتى لو حققت الحكومات هدفاً أساسياً للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، كما تم تحديده في عام 2015.
ولكن بالنسبة لعدد قليل من الدول، سيمثل تغير المناخ فرصة لا مثيل لها، حيث تصبح المناطق الأكثر برودة على كوكب الأرض أكثر اعتدالاً. وقد لا تكون أي دولة في وضع أفضل للاستفادة من تغير المناخ من روسيا.
وهناك الكثير من الأسباب التي تدعونا للاعتقاد بأن هذه المناطق ستشهد أيضًا تدفقًا غير عادي من النازحين من المناطق الأكثر حرارة في العالم مع ارتفاع حرارة المناخ.
ويمكن القول إن التهديد الذي يواجه الاقتصاد الروسي نتيجة لتغير المناخ قد يكون أيضًا فرصة للرخاء والازدهار، خاصة مع انخفاض الجليد البحري في الصيف بمعدل يقارب 13% على مدى السنوات الـ40 الماضية، وارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي بمعدل أسرع بنحو أربع مرات من المتوسط العالمي، وفقدان المحيط القطبي ما يقرب من مليون ميل مربع من الجليد.
في عام 2020، أفاد باحثون في المركز الوطني لبيانات الثلج والجليد، ومقره كولورادو، بأن الحد الأدنى للكتلة الجليدية الصيفية في المحيط الشمالي المتجمد يقل بنحو الثلث عن المتوسط في الثمانينيات عندما بدأ الرصد، ومن المتوقع أن يصبح خاليًا من الجليد الصيفي بحلول منتصف القرن تقريبًا.
ثروات لا حصر تحت الجليد
فوق وتحت هذا الجليد الشاسع، تنام ثروات لا حصر لها في سُبات عميق؛ فهناك مخزون هائل من المعادن المكتشفة مثل الذهب والنيكل والبلاتين والبلاديوم، بالإضافة إلى المعادن الأرضية النادرة، والتي تقدر قيمتها بتريليونات الدولارات على طول الشريط الساحلي لروسيا المتمايل بجوار القطب.
ومن المؤكد أن هناك رواسب هائلة من النفط والغاز الطبيعي في الأعماق، وتُقدر قيمتها بنحو 30 تريليون دولار، مما يعني أن القطب الشمالي يستحق الصراع من أجله بشكل متزايد.
هناك أيضًا كميات هائلة من الأسماك التي تعيش في مياه القطب الشمالي الغنية بالعوالق، والتي تكفي لإطعام الأعداد المتزايدة من السكان. بالإضافة إلى ذلك، هناك أنواع من الوقود الأحفوري في متناول اليد في عصر يتضاءل فيه الاحتياطيات، مع استمرار الصناعة العالمية في الاعتماد على الطرق التقليدية لإنتاج الطاقة.
تتباين التقديرات، ولكن يعتقد أن ما يقرب من 16% من النفط غير المستغل في العالم و30% من الغاز غير المكتشف في العالم مدفونة تحت المحيط.
من ناحية أخرى، يشكل اعتماد روسيا المفرط على إنتاج النفط والغاز نقطة ضعف واضحة مع تحول العالم نحو مصادر الطاقة المنخفضة الكربون والحياد الكربوني. قد يعمل الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي كجسر لروسيا نحو مستقبل منخفض الكربون، ولكن من المتوقع أن يشهد الطلب العالمي على الغاز انخفاضًا حادًا بحلول منتصف هذا القرن.
وبحسب وثيقة "إستراتيجية تطوير منطقة القطب الشمالي للاتحاد الروسي وتوفير الأمن القومي للفترة حتى عام 2035"، فإن هذه المنطقة التي تطالب بها روسيا في القطب الشمالي تحتوي على أكثر من 17.3 مليار طن من النفط و85.1 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. ومع ذلك، لهذا الغاز ومليارات البراميل من النفط قصة صراع مؤجل بين 8 دول تتقاسم السيطرة على رقعة المحيط.
من ناحية أخرى، يشكل اعتماد روسيا المفرط على إنتاج النفط والغاز نقطة ضعف واضحة مع تحول العالم نحو مصادر الطاقة المنخفضة الكربون والحياد الكربوني. قد يعمل الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي كجسر لروسيا نحو مستقبل منخفض الكربون، ولكن من المتوقع أن يشهد الطلب العالمي على الغاز انخفاضًا حادًا بحلول منتصف هذا القرن.
وبحسب وثيقة "إستراتيجية تطوير منطقة القطب الشمالي للاتحاد الروسي وتوفير الأمن القومي للفترة حتى عام 2035"، فإن هذه المنطقة التي تطالب بها روسيا في القطب الشمالي تحتوي على أكثر من 17.3 مليار طن من النفط و85.1 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. ومع ذلك، لهذا الغاز ومليارات البراميل من النفط قصة صراع مؤجل بين 8 دول تتقاسم السيطرة على رقعة المحيط.
من بين تلك الدول الثمانية، تطالب خمس دول ببعض الغطاء الجليدي القطبي باعتباره ملكًا لهم، ولكن العديد من هذه المطالبات تتداخل مع بعضها البعض. وتتمحور أكبر نقطة خلاف حول جبل تحت الماء في النطاق المعروف باسم "ليونوس ريدج"، والذي تزعم كل من كندا والدانمارك وروسيا أنه ملكهم الشرعي.
تحتل موسكو موقع القيادة بقوة في السعي للسيطرة على هذه الموارد، حيث تمتلك حاليًا ما يقرب من نصف الأراضي القطبية و24 ألف كيلومتر من الخط الساحلي. وقد ساعدت هذه الهيمنة الإقليمية لروسيا في توسيع قواتها بشكل كبير في المنطقة على مدى السنوات الماضية.
تعرف على المزيد من تطورات التغيرات المناخية حول العالم من هنا
المصدر: aljazeera