كيف تساهم الأقمار الاصطناعية بالحد من التغيرات المناخية؟
طقس العرب - تتجه الأرض بسرعة متزايدة نحو مرحلة الغليان، حيث يبدو أن الأمور في كثير من الأحيان تفلت عن السيطرة. هذا ما نشعر به بشكل واضح جدًا في مختلف أنحاء العالم، حيث شهد شهر يوليو/تموز 2023 ارتفاعًا قياسيًا في درجات الحرارة. وتتزايد حدة الظواهر الجوية وتكرارها بشكل مستمر، مما يستدعي تضافر جهود القوى العظمى في العالم لمواجهة هذا التحدي قبل فوات الأوان.
وفي سياق الجهود المبذولة لمواجهة التغير المناخي، أصبح لاستخدام الأقمار الصناعية مكانة بارزة، حيث تُعَدّ وسيلة فعّالة للحصول على بيانات دقيقة وتحليلات متقدمة. ويعمل العلماء والباحثون على استغلال هذه البيانات والتحليلات لطرح حلول مبتكرة قادرة على التخفيف من تأثيرات التغير المناخي وتداعياته على كوكبنا.
أقمار سينتينال 2
تُعَدّ الأقمار الصناعية سينتينال جزءًا من أسطول الأقمار الصناعية المخصصة خصيصًا لتوفير مجموعة واسعة من البيانات والصور الأساسية لبرنامج كوبرنيكوس، الذي يتبع للمفوضية الأوروبية.
يتميز سينتينال 2 بجهاز تصوير متعدد الأطياف المبتكر وذو دقة عالية، يتضمن 13 نطاقًا طيفيًا مختلفًا يغطي زوايا متعددة من سطح الأرض. يتيح هذا التكامل بين الدقة العالية والقدرات الطيفية فرصة لعرض الأرض بشكل غير مسبوق، مع تغطية تصل إلى مساحة 290 كيلومترًا مربعًا.
تمت مهمة سينتينال 2 بإطلاق قمرين صناعيين متطابقين في نفس المدار، على بعد 180 درجة من بعضهما البعض، وذلك لضمان التغطية الشاملة لسطح الأرض، بما في ذلك الجزر الكبيرة والمياه الداخلية والساحلية، كل خمسة أيام.
يدير فريق مختص في مركز عمليات الفضاء الأوروبي (إيسوك) عملية التحكم بالطيران لكل من القمرين. تم إطلاق سينتينال 2 إيه في المدار عام 2015، تلاه إطلاق سينتينال 2 بي بعد عامين، وتمت مهام إطلاق الأقمار الصناعية بأغراض مختلفة، آخرها كان إطلاق سينتينال 6 في عام 2020.
عمومًا، يُذكر أن هناك أكثر من 5000 قمر صناعي يعمل حتى تاريخنا الحالي، يمكنها تتبع واكتشاف الاستخراج غير القانوني للموارد، وعمليات التعدين غير المشروع والتصدي لقطع الأشجار غير المشروعة وصيد الأسماك. بعض هذه الأقمار الصناعية تحمل أجهزة استشعار مخصصة لقياس انبعاثات غازات الدفيئة.
دعم الزراعة والغطاء النباتي
بينما يسعى العلماء لفهم تأثير المناخ على الأشجار والغطاء النباتي، يساعدهم التقدم في تكنولوجيا التصوير على رؤية الغابات بأكملها وكل شجرة على حدة بطريقة لم تكن متاحة من قبل.
من الأمثلة على ذلك، بحث البروفيسور مايكل ألونزو، أستاذ مساعد في العلوم البيئية بكلية الآداب والعلوم في الجامعة الأميركية بواشنطن، الذي نُشرت نتائجه قبل عدة أشهر. قام بالبحث باستخدام أقمار صناعية صغيرة الحجم تُعرف باسم "كيوب ساتز"، والتي لا يتجاوز وزنها بضعة كيلوغرامات، حيث تم إطلاقها في مدار أرضي منخفض بهدف الحصول على صور أكثر دقة لقياس استجابة الأشجار لارتفاع درجات الحرارة.
قال البروفيسور ألونزو: "إذا كنا نرغب في معرفة ما إذا كان نبات معين يتغير في أحداث دورة حياته بسبب الاحترار، فإننا بحاجة إلى تكبير صورة النبات على مستوى فردي وفهم كيفية تفاعله مع البيئة".
قام ألونزو وزملاؤه بتحليل صور "كيوب ساتز" خلال فترات نمو النبات بين عامي 2018 و2020، حيث غطت المساحة التي تمت دراستها أكثر من 10000 شجرة في شوارع واشنطن. شملت العينة 29 نوعًا من الأشجار ذات الأوراق العريضة.
من خلال جمع المئات من الصور التي التُقطت يوميًا، رصدوا توقيت ظهور اللون الأخضر في الربيع وفقدان كل شجرة لأوراقها في الخريف. وبعد ذلك، تمكنوا من تحليل مدة فترة نمو الشجرة وحساب تأثير عوامل مختلفة على هذه الفترة، مثل نوع الشجرة وموقع الزراعة ودرجة حرارة الهواء. هذا التحليل يساعد في فهم أعمق للنظم البيئية وكيفية استجابتها للتغيرات في درجات الحرارة.
فيما يتعلق بالتدهور الحاصل في الغابات الاستوائية، كان العلماء يعتمدون بشكل أساسي على صور الأقمار الصناعية ذات الدقة المتوسطة، التي توفرت بتفاصيل بدقة 30 مترًا، لمراقبة الحالة السنوية لتلك الغابات. ورغم أن هذه الجهود كانت مفيدة في تتبع الآثار طويلة الأجل لفقدان الغابات، إلا أنها لم تكن كافية لرصد الدمار أثناء وقوعه.
ومن هنا، يُعتزم إطلاق قمر "نيسار"، الذي يمثل نتيجة للتعاون بين وكالتي الفضاء الأميركية والهندية، خلال الربع الأول من هذا العام في مهمة تستمر لثلاث سنوات. سيتيح لنا "نيسار" مراقبة سطح الأرض بأكمله كل ستة أيام باستخدام تقنية الرادار.
ووفقًا لوكالة ناسا، يمكن لإشارات رادار قمر "نيسار" اختراق مظلة الغابات والوصول إلى جذوع الأشجار والأرض في الأسفل، ومن خلال تحليل الإشارات المرتدة، سيتمكن الباحثون من تقدير كثافة الغطاء النباتي في منطقة صغيرة تقارب حجم ملعب كرة القدم.
قمر "نيسار"
ميزة قمر "نيسار" تكمن في قدرته على المرور فوق نفس المواقع كل ستة أيام، مما يتيح له رسم صورة تقريبية في الوقت الفعلي لفقدان الغابات على مستوى العالم. بفضل قدرته على رؤية الأرضية للغابة، سيكون قادرًا على توفير بيانات وأدلة حول سبب فقدان الغابات، سواء كان ذلك ناتجًا عن حرائق أو أمراض أو قطع الأشجار.
يُذكر أيضًا إطلاق برنامج كروب ووتش في مجال الابتكار التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2021، بهدف استخدام الأقمار الصناعية لمراقبة الأرض ودعم الزراعة والمزارع. وفي أغسطس/آب من العام الماضي، تم تأهيل 11 دولة من مختلف أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط بالمهارات والمعرفة اللازمة لتنفيذ نظام كروب ووتش وفقًا للمتطلبات المحلية.
يستخدم برنامج كروب ووتش أنظمة الأقمار الصناعية للحصول على بيانات تتعلق بالمناخ والجفاف والآفات والأمراض، بهدف مراقبة ظروف المحاصيل وتحسين إدارة المزارع. يساعد البرنامج في التخطيط الأمثل لاحتياجات استيراد المحاصيل أو تصديرها، ويوفر آليات إنذار مبكر أكثر فعالية، وفي بعض الحالات يساعد في تقدير الأضرار الناجمة عن الكوارث بشكل أسرع للمحاصيل.
الوقاية من حرائق الغابات
يُشير الباحث في مركز رال للفضاء في بريطانيا، هيو مورتيمر، إلى أن الأبحاث في تكنولوجيا الفضاء لا تتوقف أبدًا. منذ الثمانينيات، يسهم مركز رال في تطوير ومعايرة سلسلة من الأدوات لدعم الأقمار الصناعية التي يمكنها قياس درجات حرارة سطح البحر والأرض بدقة غير مسبوقة.
ومؤخرًا، عملوا على تطوير أداة لقياس درجات حرارة سطح البحر من مسافة تصل إلى 800 كيلومتر بدقة تبلغ 0.2 درجة مئوية، وهذا يعادل القدرة على رؤية برج إيفل في باريس أثناء الوقوف في بيغ بن في لندن.
تدعم كشافات الحرارة الحساسة المثبتة على أقمار سينتينال في تحديد ما يمكن وصفه بأنه إشارة قوية على الأرض، ويمكن ترجمتها إلى إنذار أولي للتنبؤ بحدوث حرائق في الغابات في مناطق معينة.
تُمكِّن هذه التقنية من التفاعل السريع مع مسؤولي إدارة الغابات وفرق الإطفاء، حيث يمكن توجيه الجهود بشكل فعال إلى المواقع المحتملة لحدوث الحرائق لمنع اندلاعها، أو توجيه الجهود بدقة عند وقوع الحريق فعلًا للسيطرة عليه. يستند ذلك إلى قياس الطاقة الإشعاعية المنبعثة من الحريق، والتي تعكس مدى شدته.
يتلقى فرق الإطفاء أيضًا معلومات حيوية حول الحرائق مثل مواقع النقاط الساخنة، مما يُمكِّنهم من اتخاذ القرارات الصائبة بشأن أفضل الطرق لمكافحة الحرائق. على سبيل المثال، يمكن لفريق الإطفاء استخدام الماء أو مواد إطفاء أخرى بناءً على معرفتهم المسبقة بفاعليتها في نقطة معينة، كما يُمكِّنهم تحليل البيانات التي يتلقونها من تحديد اتجاه الانتشار وسرعة انتشار الحريق، مما يُسهم في مكافحة الحرائق الغابات بكفاءة أكبر.
المصدر: aljazeera