لماذا لب الأرض ساخن جداً؟ وكيف بقي ساخنا حتى الآن؟
طقس العرب - نحن نعلم بأن لب الأرض ساخن جداً لدرجة لا يمكن تصورها، فلماذا هو ساخن إلى هذا الحد؟ وإذا كان الأمر كذلك، فأين تختفي كل هذه الحرارة، وكيف يتراكم الثلج على سطح الأرض رغم وجود كل تلك الحرارة؟
منذ ولادة كوكبنا ولب الأرض ساخن جداً، وهذا أحد الأسباب التي مكنت الإنسان من التواجد على هذا الكوكب، لكن قبل أن نتحدث عن حرارة لب الأرض ودورها، دعونا نحاول فهم المزيد عن طبقات الأرض.
طبقات الأرض
على الرغم من أننا نحن البشر تقدمنا حتى أصبحنا قادرين على التقاط صورة لثقب أسود في الفضاء، إلا أن كشف ألغاز كوكبنا لم يكن سهلاً على الإطلاق، ومع ذلك، فإن تحليل الصخور الناتجة عن الانفجارات البركانية ودراسة الموجات الزلزالية (الموجات المتولدة داخل الأرض بسبب الزلازل أو الانفجارات البركانية أو أي اضطراب آخر) قد ساعدنا على فهم البنية الداخلية لكوكبنا بشكل أفضل.
(رسم توضيحي ثلاثي الأبعاد يظهر طبقات الأرض المتعددة وبنيتها)
الأرض ليست كتلة واحدة متجانسة، وإنما تتكون من عدد من الطبقات، فعندما نشأت الأرض مع ولادة النظام الشمسي منذ حوالي 4.6 مليار سنة، كان كوكبنا في البداية مجرد كرة من الغازات، ولكن عندما تفاعلت الغازات مع بعضها وبدأت المواد ذات الكثافة المتفاوتة في الانفصال، أصبحت الأرض كما هي اليوم - كوكب صخري ضخم بعدة طبقات متتالية، وهذه الطبقات هي:
1. طبقة القشرة (Crust): القشرة هي الطبقة الخارجية للأرض، وهي الطبقة التي نعيش عليها ونبني المنازل ونزرع الأشجار، وهي تتكون من قشرة رقيقة جدًا إذا قارناها بالطبقات الأخرى، وتقسم قشرة الأرض إلى نوعين: قشرة محيطية يبلغ عمقها حوالي 8 كيلومترات، وتتكون في الغالب من البازلت، والقشرة القارية التي يبلغ سمكها حوالي 32 كيلومترًا وتتكون أساسًا من الجرانيت.
2. طبقة الوشاح (Mantle): تُعرف الطبقة التالية الموجودة تحت القشرة مباشرة باسم الوشاح، يبلغ سمك طبقة الوشاح 2900 كيلومتر، وينقسم إلى الوشاح العلوي الصلب، والوشاح السفلي شبه المُنصهر، وتُعرف الطبقة العليا الصلبة من الوشاح مع القشرة، بالغلاف الليثوسفير (Lithosphere)، بينما تسمى الطبقة شبه المنصهرة بـالاسينوسفير (Asthenosphere).
(طبقات الأرض في المقطع العرضي وسماكتها)
3. طبقة اللب (Core): وينقسم لب الأرض إلى جزأين - اللب الخارجي واللب الداخلي.
- اللب الخارجي (Outer Core): يبلغ سمك اللب الخارجي حوالي 2300 كيلومتر، ويتكون بشكل أساسي من الحديد والنيكل في الحالة السائلة أي أنه منصهر بالكامل، ويتميز اللب الخارجي بدرجة حرارة عالية جدًا تتراوح من 2200 إلى 2760 درجة مئوية.
- اللب الداخلي (Inner Core): بعد اللب الخارجي نصل إلى الجزء الأكثر سخونة من الكوكب، وهو اللب الداخلي، وهناك ترتفع درجة الحرارة بشكل لا يمكن تصوره، حيث تتراوح درجة حرارة لب الأرض الداخلي من 4980 إلى 7200 درجة مئوية، وهو الجزء الأكثر إثارة للدهشة، فبالرغم من درجات الحرارة المرتفعة هذه، إلا أن اللب الداخلي للأرض صلب تمامًا، ويبلغ سمكه حوالي 1200 كيلومتر.
لماذا لب الأرض ساخن جدًا؟
بالنسبة لنا نحن البشر الذين نعيش على القشرة، من الصعب أن نتخيل أن درجة حرارة لب الأرض يمكن أن تكون أعلى من درجة حرارة سطح الشمس، لكن كيف تولد أرضنا البالغة من العمر 4.6 مليار سنة كل هذه الحرارة؟
هناك ثلاث أسباب رئيسية وراء حرارة لب الأرض الهائلة:
1. الحرارة وقت تشكل كوكب الأرض والعملية التراكمية: بدأ كوكبنا رحلته حول الشمس منذ بداية ظهور النظام الشمسي، وكانت قوة الجاذبية قوية لدرجة أن عددًا من النيازك والعديد من الأشياء الأخرى اجتمعت معًا لتكوين كوكب كبير، ومع هذه العمليات التراكمية كانت كمية الحرارة الناتجة هائلة.
2. التسخين الاحتكاكي الناتج عن ترسيب المواد الأكثر كثافة في مركز الكوكب: بعد انتهاء عملية تكوين الكوكب، بدأت المواد في الانقسام إلى طبقات وفقًا لكثافتها، إذ استقرت المواد الأكثر كثافة في القلب، وأنتجت عملية الانقسام هذه أيضاً الكثير من الحرارة.
ولا تزال هذه الحرارة البدائية للأرض الناتجة من عملية التكوين موجودة في اللب لأن أرضنا الكبيرة لم تكن قادرة على تبديدها بسرعة عندما نشأة، إلى أن استقرت هذه الحرارة، والطريقة الوحيدة الآن لتبديد هذه الحرارة هو من خلال القشرة، ولكن بما أن الصفائح تعمل كبطانية عازلة، وطبقة الوشاح ليست ناقلًا جيدًا للحرارة، بقيت الحرارة في لب الأرض لفترة طويلة.
3. الحرارة من اضمحلال العناصر المشعة: حيث تُنتج عملية التحلل الإشعاعي للعناصر المشعة مثل اليورانيوم، كمية كبيرة من الحرارة.
وهناك فرق بسيط بين الحرارة التي تحصل عليها الأرض من الانحلال الإشعاعي والحرارة البدائية، يُعتقد أن الحرارة البدائية تتركز في الغالب في القلب وأن الحرارة المنبعثة بسبب التحلل الإشعاعي تتوزع في جميع أنحاء الطبقات الأخرى لكوكب الأرض.
أهمية لب الأرض
بالرغم من أن نواة أو لب الأرض ساخن مثل الشمس، إلا أنه ذات أهمية كبيرة في الحفاظ على الحياة على هذا الكوكب، فاللب الخارجي السائل يتحرك باستمرار، وتتولد تيارات الحمل بسبب هذه الحركة، حيث تعتبر تلك التيارات السبب وراء وجود المجال المغناطيسي للأرض، هذا المجال المغناطيسي الذي ينقذنا من الجزيئات الخطيرة التي تأتينا من الرياح الشمسية، ويحافظ على الغلاف الجوي للأرض ليبقى صالحاً للحياة، واللب الداخلي الصلب له أهميته كذلك في استقرار هذا المجال المغناطيسي.
بالإضافة لذلك، تولد التيارات الحرارية في اللب الخارجي والحرارة الناتجة عنه حركة في الطبقات أعلاه، خاصة في الوشاح، وتساعد هذه الحركة في دفع الصفائح الأرضية، مما يؤدي إنشاء كتل أرضية جديدة.
إذن؛ فإن لب الأرض مهم ليس فقط لوجود البشر، ولكن لجميع الكائنات الحية، بما في ذلك النباتات. إذا أصبح باردًا، أو أصبح صلبًا جدًا أو سائلًا جدًا، فلن تكون هناك حياة على الأرض، وهذا هو التوازن الذي يؤثر به لب الأرض على حياتنا، فسبحان من خلق وقدر، ودبر الأمور لتسخيرها لحياة الإنسان.