ماذا يأكل الأشخاص في صندوق جليد الأرض أو القطب الشمالي
طقس العرب - عند الحديث عن القطب الشمالي، المعروف أيضًا باسم "صندوق جليد الأرض"، نجد أنه ليس مجرد منطقة جغرافية، بل نظام حياتي معقد يتألف من أبعاد فيزيائية وبيولوجية وكيميائية ومناخية وغذائية فريدة حيث يمتاز المحيط المتجمد الشمالي بخصوصيته، حيث لا يشبه أي محيط آخر على وجه الأرض، وتبرز فرادة الأراضي المحيطة به بفضل موقعه الجغرافي وظروفه المناخية الفريدة.
وتحدث ظاهرة النهار المستمر والليل الطويل في هذه المنطقة، حيث تشرق الشمس مرة واحدة في العام، ويمتد النهار لمدة 6 أشهر متواصلة، بينما يستمر الليل لفترة مماثلة.
ويتراوح متوسط درجات الحرارة في فصل الشتاء الطويل حوالي -37 درجة مئوية في وسط سيبيريا، وبين -34 إلى -29 درجة مئوية في مناطق أميركا الشمالية، وسُجلت أدنى درجة حرارة في منطقة شمال غرينلاند، حيث وصلت إلى -70 درجة مئوية وفقًا لموسوعة "بريتانيكا".
ويعود تاريخ سكان هذه المناطق إلى نحو 12 ألف سنة قبل الميلاد، ويعيش فيها حاليًا "شعب الإنويت"، حيث يبلغ إجمالي عدد السكان حوالي 167 ألف نسمة.
ويُعتبر الإنويت أحفادًا لشعب ثول، الذين استوطنوا غرب ألاسكا قبل نحو ألف عام. وقد انفصلوا عن مجموعة الأليوت منذ نحو 4 آلاف عام، انتقلوا شرقًا عبر القطب الشمال، وتثير هذه الظروف البيئية القاسية تساؤلات حول كيفية حياة الإنويت، وكيفية التأقلم مع درجات الحرارة المتدنية ومصادر الطعام المحدودة، وما هي فوائدها الصحية.
حياة شعب الإنويت
تستدعي التغيرات في المناخ نهجًا غذائيًا مختلفًا عن العادات الشائعة في مناطق ذات مناخ أكثر اعتدالًا، وفي الأماكن التي تشهد تحديات جوية فريدة، تصبح مصادر الطعام متنوعة ومختلفة عن تلك المعتادة في المناطق ذات المناخ الاعتيادي. على سبيل المثال، يعتمد الإنويت في هذه المناطق على طعام تقليدي يتضمن الفقمة والحوت والدب القطبي والوعل، وتُسْتَهْلَك غالباً بشكل نيء أو مجمد أو مجفف.
ويتميز هذا النظام الغذائي الأصلي بالغنى بالفيتامينات والعناصر الغذائية الأساسية، التي تلبي احتياجات السكان في مواجهة الظروف الباردة القاسية، وفي سياق الحياة في هذه المناطق، يتم استهلاك اللحوم من الحيوانات "من الأنف إلى الذيل" على غرار عادات أجدادهم.
ويجدر بالذكر أن صيد الحيوانات مثل الدب القطبي والفقمة والحيتان يخضع لرقابة صارمة من قبل الدول، وتُفرض حصصًا صارمة على الصيادين، وفي هذا السياق، تظهر دول مثل كندا والدانمارك وروسيا نماذج تنظيمية فعّالة للحفاظ على استدامة هذه المصادر الطبيعية.
بجانب الاستهلاك الغذائي، يُستفاد أيضًا من أجزاء الحيوانات غير الصالحة للأكل، مثل الفراء والجلود، في صناعة الملابس والمنتجات الأخرى، والتي يمكن للصيادين بيعها لتحقيق بعض الدخل المالي.
شيلا فلاهيرتي... رحّالة تنقل طعام الإنويت إلى العالم
ترغب شيلا فلاهيرتي، طاهية مقيمة في منطقة نونافوت في القطب الشمالي الكندي، في نقل ثقافة الطعام القطبي إلى أرجاء العالم وتعبر فلاهيرتي عن ذلك بقولها:
"نحن نعيش كسكان المحيط، نصيد والذبح بطريقة حميمة، ونتناول الطعام بروح حميمة. نحن نعيش كشعوب القطب الشمالي، ويمتد وطننا الإنويت عبر المنطقة كلها".
وتُظهر جهودها الحالية في إدارة مطعم "سيجاكوت" (Sijjakkut) في إيكالويت، كندا، التي تقدم فيه أطعمة تقليدية إنويت، مثل شرائح رقيقة من كبد الوعل ودهن الفقمة المخمّر، وجلد الفقمة، ولحم الحيتان وتسعى إلى نقل لمحة من ثقافة الإنويت وتعزيز فهم الناس لهذا النظام الغذائي الفريد.
تعتبر أطباق الطعام الأصلية من المنطقة القطبية الشمالية، مثل "سكيربيكوت" (skerpikjøt)، الذي يعتمد على لحم الضأن المجفف بالهواء، من الأمثلة البارزة، ويحصل اللحم على نكهة مميزة أثناء التجفيف تشبه طعم الجبن الأزرق وفي غرينلاند، يربي الضأن في البرية على أراضٍ صخرية معطرة بنكهة الزعتر، ويُعتبر ذلك جزءًا من تراثهم الغذائي الفريد.
وتعمل جهود شيلا فلاهيرتي كجزء من حركة أوسع نطاقًا لإحياء وتعزيز ثقافة الطعام المحلية بين السكان المحليين والترويج لها على مستوى عالمي.
فوائد النظام الغذائي القطبي
- مصادر غنية بالعناصر الغذائية
يقدم النظام الغذائي القطبي مصادر ممتازة للبروتين والأحماض الدهنية طويلة السلسلة والسيلينيوم والحديد والزنك، إلى جانب مجموعة واسعة من الفيتامينات مثل A وD وE.
- غني بأحماض أوميغا 3
يحتوي لحم الرنة على نسبة دهون خام مشابهة للحوم البقر، ولكنه يمتاز بمستويات أعلى من الأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة (أوميغا 3)، التي تعزز صحة القلب والدماغ.
- تعزيز النشاط البدني
يُرتبط صيد وإعداد الأطعمة التقليدية بزيادة النشاط البدني، مما يقلل من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السمنة والسكري.
- خفض خطر الأمراض المزمنة
يساهم تناول الأطعمة التقليدية في خفض أخطار الإصابة بالأمراض المزمنة، مثل السمنة والسكري، ويُشجع عليه من قبل الجهات الصحية في كندا.
- محاربة أمراض الدماغ والقلب
يقلل النظام الغذائي القطبي من خطر الإصابة بأمراض الدماغ مثل الألزهايمر والخرف، كما يحمي من بعض أنواع السرطان.
- تقوية المناعة
يعزز تناول الأطعمة البحرية الغنية بأوميغا 3 مناعة الجسم، كما يقلل من خطر النوبات القلبية والسكتة الدماغية.
وتحت إشراف السلطات الصحية، يمكن أن يكون تبني نظام غذائي قطبي فعالًا لتعزيز الصحة وتحسين جودة الحياة.
اقرأ أيضا:
هل من الطبيعي أن تصاب بتورم الأصابع كل شتاء؟
بركان ميرابي في إندونيسيا ينفث سحب الرماد بعد أيام من ثورانه
المصادر: