هل يمكن أن تعود الصحراء الكبرى خضراء مرة أخرى؟
طقس العرب – بعد انتهاء العصر الجليدي الأخير، وفي وقت ما بين 11000 - 5000 سنة ماضية، تغيرت الصحراء الكبرى، حيث نمت النباتات الخضراء وازداد هطول الأمطار حتى تحولت الحفر القاحلة إلى بحيرات، وتغطت حوالي 9 مليون كيلومتر مربع من شمال إفريقيا باللون الأخضر، فجذبت النباتات المزدهرة بعض الحيوانات مثل؛ فرس النهر والظباء والفيلة وبعض أنواع الماشية، إلا أن هذه المروج الخصبة ولّت منذ زمن بعيد، فهل يمكن أن تعود؟
(صور لوسومات على جدار الكهوف في صحراء مصر والسودان وتشاد، توثق هذه الرسوم نشاط الصيد مما يدل على أن هذه الحيوانات كانت موجودة في السابق قبل أن تجف المنطقة- المصدر)
كيف أصبحت الصحراء الكبرى في السابق خضراء؟
حدث التحول الأخضر للصحراء الكبرى خلال الفترة المعروفة بالفترة الإفريقية الرطبة (The African humid period)، والناتجة بشكل رئيسي عن التغير في الدوران المداري للأرض حول محورها، وتغير زاوية ميل الأرض، وهو نمط يكرر نفسه كل 23000 عام، فمنذ حوالي 8000 عام، بدأ ميل محور الأرض يتحرك من حوالي 24.1 درجة إلى 23.5 درجة كما هو حالياً، وقد أحدث هذا الاختلاف في الميل فرقًا كبيرًا.
ويتغير بُعد الأرض عن الشمس أثناء دوران الأرض في مسارها البيضوي حول الشمس، وفي الوقت الحالي، وبالرغم من أن نصف الكرة الشمالي يميل بعيدًا عن الشمس خلال فصل الشتاء، إلا أنه يكون أقرب ما يكون إلى الشمس (في نقطة الحضيض)، لكن خلال الفترة التي اخضرت فيها الصحراء، كان نصف الكرة الشمالي أقرب ما يكون إلى الشمس خلال فصل الصيف (بالإضافة إلى أن نصف الكرة الشمالي يميل باتجاه الشمس خلال فصل الصيف).
(توضح الصورة مدار الأرض البيضوي حول الشمس، حيث تكون الأرض في أقرب نقطة لها مع الشمس (الحضيض) في الشتاء في شهر يناير)
فتسبب ذلك في زيادة الإشعاع الشمسي والحرارة في نصف الكرة الشمالي للأرض خلال أشهر الصيف، فأدى ارتفاع الإشعاع الشمسي إلى تضخيم الرياح الموسمية (monsoon) الأفريقية، والرياح الموسمية هي تحول موسمي للرياح فوق المنطقة ناتج عن الاختلافات في درجات الحرارة بين اليابسة والمحيطات.
وأدت الحرارة المتزايدة فوق الصحراء إلى خلق نظام ضغط منخفض أدى إلى وصول الرطوبة من المحيط الأطلسي إلى الصحراء القاحلة (وتعمل الرياح التي تهب من اليابسة باتجاه المحيط الأطلسي على نشر الغبار الذي يخصب غابات الأمازون المطيرة ويبني الشواطئ في منطقة البحر الكاريبي).
هذه الرطوبة المتزايدة حولت الصحراء الرملية إلى سهول مغطاة بالعشب والشجيرات، وساهم البشر في ازدهار الحيوانات هناك، حيث قاموا في النهاية بتدجين الجاموس والماعز في المنطقة. لكن من البداية ماذا كان سبب تغير ميل الأرض؟
الأرض المتذبذبة وتغير ميلان محور الأرض
لفهم هذا التغيير الهائل الذي حدث على ميلان محور الأرض، نظر العلماء إلى جيران الأرض في النظام الشمسي، حيث تُحدث تفاعلات الجاذبية بين الأرض والقمر والكواكب الأكثر ضخامة تغييرات دورية في مدار الأرض، وهذه التغييرات تؤدي إلى "تذبذب" في ميلان محور الأرض.
هذا التذبذب هو ما يجعل نصف الكرة الشمالي أقرب إلى الشمس في الصيف كل 23000 سنة، وهو ما يسميه الباحثون الحد الأقصى للتشمس الصيفي في نصف الكرة الشمالي، ويقدر العلماء أن نصف الكرة الشمالي شهد زيادة بنسبة 7% في الإشعاع الشمسي خلال الفترة التي اخضرت فيها الصحراء مقارنةً بالإشعاع الشمسي الحالي، ووجدت الدراسات أن هذه الزيادة تؤدي إلى تصعيد هطول الأمطار الموسمية الأفريقية بنسبة 17% إلى 50%.
تغير المشهد فجأة واختفاء اخضرار الصحراء
ما يثير اهتمام علماء المناخ بشأن اخضرار الصحراء هو ظهورها واختفاءها الذي كان على نحو مفاجئ، حيث استغرق اختفاءها 200 عام فقط، بالرغم من التغير التدريجي في الإشعاع الشمسي وقتها، وهو مثال على تغير مناخي مفاجئ شهده البشر.
هل يمكن أن تعود الصحراء الكبرى خضراء؟
تظهر طبقات الرواسب في المحيطات أن الصحراء الخضراء حدثت بشكل متكرر، ومن المتوقع أن تظهر الصحراء الخضراء مرة أخرى عندما يحدث الحد الأقصى للتشمس الصيفي القادم في نصف الكرة الشمالي، والذي يمكن أن يحدث مرة أخرى بعد حوالي 10000 سنة من الآن، أي في 12000 م أو 13000 م، لكن ما لا يستطيع العلماء التنبؤ به هو كيف ستؤثر غازات الدفيئة على دورة المناخ الطبيعي هذه.
تقدم أبحاث المناخ دليلاً مؤكداً على أن الأنشطة البشرية تؤثر على المناخ بشكل غير مسبوق، فحتى لو توقف البشر عن انتاج الغازات المسببة للاحتباس الحراري اليوم، ستطل هذه الغازات مرتفعة بحلول عام 12000م، سيؤثر تغير المناخ على دورات المناخ الطبيعي للأرض.
ومع ذلك، هناك أدلة جيولوجية من رواسب المحيطات على أن أحداث الصحراء الخضراء تعود إلى حقبة الميوسين (من 23 مليون إلى 5 ملايين سنة)، وهي من الفترات التي كان فيها مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مشابهًا وربما أعلى من مستوياته اليوم.
لذلك يعتبر تكرر حدوث الصحراء الخضراء في المستقبل البعيد محتملاً جداً، ويمكن لغازات الدفيئة المتزايدة اليوم أن يكون لها تأثير في تخضير الصحراء، لكن ليس لدرجة تأثير التغيرات المدارية للأرض، لكن لا يمكن التحقق من هذه الفكرة بسبب محدودية النمذجة المناخية.
تدخل بشري لتخضير الصحراء
قد يكون هناك طريقة أخرى لتحويل أجزاء من الصحراء إلى مساحات خضراء، إذا تم إنشاء مزارع ضخمة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح هناك، فقد يزداد هطول الأمطار في الصحراء، وفقًا لدراسة أجريت عام 2018 نُشرت في مجلة Science.
إذ يمكن لمزارع الرياح والطاقة الشمسية أن تزيد الحرارة والرطوبة في المناطق المحيطة بها، وتزيد من هطول الأمطار، ويؤدي ذلك إلى ازدهار الغطاء النباتي، ويخلق تأثيرات أخرى إيجابية، ومع ذلك، فإن هذا المشروع الضخم لم يتم اختباره بعد في الصحراء الكبرى، لذلك قد يضطر البشر إلى الانتظار حتى عام 12000 أو أكثر لمعرفة ما إذا كانت الصحراء ستتحول إلى اللون الأخضر مرة أخرى.