يوم العلم الأردني .. ذاكرة وطن وقصة تاريخه العريق
طقس العرب - قبل أكثر من مئة عام، زينت العلم الأردني مدارسنا ومبانينا الحكومية وميادين مدننا، يشكل هذا العلم الراية التي تجسد حضارات وأمجاد العرب عبر قرون من الزمان. يعبر الأردنيون عن فخرهم بهذا الرمز الوطني، ويحتفلون به في السادس عشر من شهر نيسان من كل عام، فيما يعرف بيوم العلم الوطني.
الاحتفال بالعلم الأردني
اليوم، وفي خطوة مهمة أقرها مجلس الوزراء العام الماضي، جاء تحديد الاحتفال بالعلم الأردني في تزامن مع احتفالات مئوية الدولة الأردنية، مما يعزز رابطتنا العميقة بالعلم وتاريخنا الغني. يترسخ هذا الارتباط في ذاكرة جماعية تحمل بين طياتها انتصارات العرب المسلمين عبر العصور. وقد وصف الشاعر صفي الدين الحلي هذا الارتباط بكلماته المميزة: "بيض صنائعنا سود وقائعنا، خضر مرابعنا حمر مواضينا، لا يمتطي المجد من لم يركب الخطرا، ولا ينال العلا من قدم الحذرا". وبهذا اليوم، يبرز العلم الأردني بألوانه الأربعة مع الكوكب الأبيض ذي السباعية الأشعة، رمزًا لوحدة وتقدم الأردن.
تاريخ الراية الأردنية
لواء يشير إلى هوية وطنية تتجذر في عمق التاريخ، حيث يعود أصلها إلى الأمويين الذين رفعوا الراية البيضاء أثناء نشرهم للإسلام، فأصبحوا عمادًا للحضارة وعنوانًا لها من الهند إلى الأندلس. ومن ثم العباسيين الذين اشتهروا براياتهم السوداء في بلاد تزدهر بالعلوم والصناعة والفنون والعمارة والأدب. ولم يزل آل البيت متمسكين بمبادئهم وقيمهم، ولم تغرهم الدنيا براياتهم الخضراء وعباءة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). أما الراية الحمراء، فتعبر عن هيبة وكرامة الهاشميين الذين يمثلون كرامة العرب وحريتهم. وهكذا، يتجسد هذا المثلث الذي يجمع بين الأشرطة الثلاث السابقة، ويتخلله النجمة السباعية، التي ترمز إلى فاتحة القرآن الكريم الممتدة على سبع آيات.
حضارات عديدة مرّت من هنا .. اكتشفها
الثورة العربية الكبرى
في العاشر من حزيران عام 1916، شهدنا انطلاق الثورة العربية الكبرى، بقيادة المغفور له بإذن الله الشريف الحسين بن علي، وبجانبه مجموعة من الرجال المخلصين. كانوا يحملون علم الثورة العربية الذي زرعوه في أرض الحجاز قبل أن يتوجهوا شمالاً عبر أراضي الأردن، متجهين نحو دمشق. كانت هذه الثورة مواجهة مفتوحة ضد الهيمنة العثمانية، بهدف تأسيس نهضة عربية تستعيد كرامة وعزة الأمة العربية.
متى رُفع العلم لأول مرة؟
بايعت رجالات الأردن وباقي بلاد الشام المغفور له بإذن الله الملك فيصل بن الحسين، لتتأسس المملكة العربية السورية في عام 1918. وفي عام 1920، تم رفع علم هذه المملكة، الذي يتكون من الألوان الأربعة: الأسود والأخضر والأبيض، مع وسط مثلث أحمر يتوسطه النجمة السباعية. كان هذا العلم رمزًا يتجلى في كل أنحاء سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وأجزاء من العراق، حيث شكلت دولة تسعى للرفعة والمنعة والوحدة لكل العرب. ومع ذلك، تدخلت أطماع الاستعمار وأفسدت هذا المشروع الوحدوي العربي، حيث كانت الهاشميون في طليعته، رافعين شعارهم السياسي والوطني.
تأسيس الإمارة الهاشمية
وحملت الأردن الراية، مُعلنة ولادة إمارة هاشمية على أرضها، بمبايعة المغفور له الملك المؤسس آنذاك، عبد الله بن الحسين، كأمير عليها، في 11 نيسان عام 1921. ومع إعلان هذه الإمارة، ترفع راية الثورة العربية الكبرى، قبل أن تشهد تغييرا في تصميم العلم الأردني. وفي عام 1922، تم الإعلان عن العلم الأردني الجديد، الذي يتكون من ثلاثة ألوان: الأسود في الجزء العلوي، والأبيض في الجزء الأوسط، والأخضر في الجزء السفلي، مع وجود مثلث أحمر يحمل كوكبًا أبيضًا سباعي الأشعة. يأتي هذا العلم بمواصفات محددة في دستور البلاد عام 1928، حيث يكون طول العلم ضعف عرضه، ويتكون من ثلاث قطع متساوية متوازية. يحمل الكوكب الأبيض في المثلث الأحمر مساحة تستوعب دائرة قطرها واحد من أربعة عشر من طول العلم، ويتم وضعه بحيث يكون وسطه في نقطة تقاطع خطوط المثلث، ومحوره يكون موازيًا لقاعدة المثلث.
العلم الأردني
تعتبر الرموز الوطنية، بما في ذلك العلم، جزءًا لا يتجزأ من عملية بناء الأمة، حيث يعكس الشعور المتزايد بالوطنية بين الناس، ويعزز إحساسهم بالانتماء من خلال الرموز والعلامات والألوان التي تكتسب معانًا ودلالات متراكمة مع مرور الأيام. يحتفظ الأردنيون بذاكرتهم الوطنية من خلال الأحداث التاريخية التي شهدوها وكان العلم خفاقًا مع انعقاد المؤتمر الوطني الأردني الأول في 25 تموز عام 1928، الذي شارك فيه أكثر من مئة وخمسين شخصية من رموز الوطن، حيث أكدوا على دور الشعب كمصدر للسلطات وضرورة المحافظة على مصالح الأمة.
وقد رفع الأردنيون العلم نفسه مع إعلان استقلال المملكة الأردنية الهاشمية في 25 أيار عام 1946، الذي أكد سيادتهم على الأرض وانتهاء الانتداب البريطاني الذي استمر لما يقارب الخمسة والعشرين عامًا. كانت هذه الفترة مفصلية في تاريخ الأردن، حيث تمت مبايعة المغفور له بإذن الله عبد الله بن الحسين كملك على البلاد. وبهذا اليوم التاريخي، انطلقت البلاد نحو مستقبل مشرق مليء بالتحديث والتطوير والكرامة.
العلم الأردني رمزًا للصمود
على أرض فلسطين، بذل الجيش العربي الغالي والنفيس كل جهده لحفظ مقدساتها في معارك لا تنسى، حيث رفع العلم الأردني كرمز للصمود والوفاء. بدأت هذه المعارك منذ معركة باب الواد في عام 1948، حيث صد الجيش الأردني التقدم الصهيوني نحو القدس، وقدم الشهداء تضحياتهم دفاعًا عن المقدسات الإسلامية.
وفي 21 آذار عام 1968، شهدت معركة الكرامة مواجهة استثنائية بين الجيش العربي والقوات المعادية، حيث تألقت بطولات الجنود الأردنيين، وكتبوا صفحة جديدة من تاريخهم بشجاعتهم وإخلاصهم للوطن. لم تتراجع راية الأردن في تلك المواجهات، بل استمرت مرفوعة عالية، متحدية الصعاب ومضمخة بدماء الشهداء وجهود الأحياء.
على مدار خمسين عامًا وأكثر، استمرت قوات الأردن في أداء واجبها في الحفاظ على الوطن، سواء في المواجهات العسكرية مثل حرب تشرين 1973، أو في مواجهة التطرف والإرهاب. كما أظهرت البلاد دورها الريادي في التصدي لجائحة كورونا في السنوات الأخيرة. وفي كل تلك الظروف، بقي العلم الأردني شامخًا في سماء النصر، رمزًا للوطنية والصمود والتضحية.
على مدى أكثر من قرن، تجلّى مجد الشعراء في رفع راية الأردن، التي لم تنحنِ يومًا، كما قال الشاعر ورئيس الوزراء الأسبق عبد المنعم الرفاعي:
"خافق في المعالي والمنى، عربي الظلال والسنا، في الذرى والأعالي فوق هام الرجال، زاهيا أهيبا، حيه في الصباح والسرى، في ابتسام الأقاح والشذى، يا شعار الجلال والتماع الجمال، والإباء في الربى".
ننظر اليوم إلى علمنا الذي خضبت حمرته دماء الشهداء، وروت خضرته قطرات الندى الممزوجة بعرق الفلاحين. وعتقت سواده علامات الجد والإخلاص لماضيه ومستقبله. وأظهر بياضه قلوبًا محبة نقية، تحلم بوطن حر وتفديه بكل ما تملك.