طقس العرب - يعبر كبار السن في القرى وغيرها بشكل شائع عن آرائهم وتأكيداتهم باستخدام المثل الشهير "المثل ما قال شي كذب"، والذي يظهر وكأنه جملة عميقة من الحكمة، ويعكس هذا المثل الإيمان في صدق الأقوال التقليدية، ويعد جزءًا من التراث البلدان العربية الشائع، حيث يُستخدم أيضًا المثل "أهل أول ما في شي ما قالوه" لتأكيد الحقائق التي تجسدت عبر الزمن، وأصبحت عبرة للحاضر، وتعتبر الأمثال جواهر حكم الشعب، والتي بدورها تنبع من تجارب وخبرات متراكمة، ورغم تراجع استخدامها بين الشباب، يظل لها تأثير قوي وثابت في الذاكرة الشعبية، وفي هذا المقال، سنستكشف مجموعة من أمثال الشتاء الشعبية التي تتراوح ما بين التحذير والحكمة.
في لحظات البرد التي يعلو صوت الرياح فيها، وتغلّف الثلوج الأرض، تتنبأ أمثال الشتاء الشعبية بقدوم الأيام الباردة، وتروي قصصاً قديمة تمتزج مع حنين الماضي إنها لحظات باردة من الماضي تتسلل بحنين إلى الحاضر، وتختزل في حكم شعبي أو مثل قديم، وتنقلنا بعمق إلى تراثنا.
وفي هذا السياق يقدم الشاعر والإعلامي جوزف أبي ضاهر، صاحب كتاب "عالبركة" الذي يفتح نوافذ على العادات الشعبية في بلاد الشام، رؤية جميلة حول قيمة الأمثال في تلخيص حكم الحياة وتجاربها، ويشدد على أن هذه العبارات الشعبية تجمع بين فصاحة اللغة وعفويتها، فتدخل النفوس دون حاجة إلى شرح مفصل، ويُظهر أن الأمثال قد انتقلت بين الأجيال بصورة مباشرة قبل ظهور التدوين، وتحمل في طياتها حكمًا تعيش معنا في تجارب الحياة اليومية.
وبمزيد من التأكيد على الشمولية الثقافية للأمثال، يشير إلى أن هذه الحكم تتشابه في معظم دول العالم، ويضيف أنها تعتبر دروسًا حياتية اكتسبها الناس من خلال تجاربهم وحياتهم اليومية، وتكون ملهمة وتعليمية لمن يستمع إليها وفي ختامه، يبرز أبي ضاهر التشابه في الأمثال بين سكان هذه البلاد وبين مختلف الثقافات والتقاليد، مع بعض التنويع في أسلوب العبارة واللغة نتيجة للتأثير المحلي واللهجة الخاصة بكل منطقة.
ترافق العديد من الأمثال والعبارات موسم الشتاء، حيث يعكس المثل "البرد بيقص المسمار" حدة البرد وقسوته.
وفي أغلب الأحيان يعتقد الأشخاص أن البرد يسبب الأمراض، حيث يُقال "البرد سبب كل علّة"، مما يبرز أثر الطقس البارد على الصحة.
وتُؤكد عبارة "الدفا (الدفء) عفا (عافية) ولو بعز الصيف" أن الدفء يؤدي دورًا كبيرًا في الوقاية من الأمراض، حتى في فصل الصيف الحار.
وفي سياق آخر، تعبر عبارة "النار فاكهة الشتاء" عن أهمية النار والحطب في فصل الشتاء، حيث كانت تستخدم كوسيلة للتدفئة وجمع العائلة حول المدفأة، وتظهر هذه العبارة جمال اللحظات العائلية خلال هذا الفصل البارد.
وعلى الرغم من اختلافات في اللهجات والتعابير، تتفق الأمثال الشعبية في مناطق بلاد الشام على المضمون العام، ويبدو أن انتشار هذه العبارات بين المناطق يعود إلى تقارب الجغرافيا والأحوال الجوية المتشابهة، فضلاً عن التداخل الاجتماعي والتجاري بين العائلات والمجتمعات.
في بلاد الشام، يعتبر شهر سبتمبر/أيلول شهر انتقال الطقس إلى درجات حرارة أكثر اعتدالًا، وفي بعض الأحيان يمزج بين نسمات البرد وقطرات المطر، ما يجعل المثل "أيلول طرفه بالشتي (بالمطر) مبلول" يعبر عن هذا التقلب.
ومع دخول شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، تبدأ درجات الحرارة في الانخفاض، وينطبق المثل "برد تشارين أحدّ من ضرب السكاكين" ليشير إلى تشدد البرد، بينما يستعرض المثل "بين تشرين وتشرين صيف تاني (ثانٍ)" الدفء المتوقع فجأة في هاتين الفترتين.
أما في شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني، اللذين يشهدان غالبًا تساقط الثلوج، يتداول الأقوال الشعبية كـ"في كانون كِن ببيتك وكتّر خبزك وزيتك" للتحذير من تأثير الصقيع.
وفي ختام فصل البرد، يأتي ربع السنة الأخير بقول "بعد كانون الشتي (المطر) بيهون (يسهل)"، يظهر تفاؤلًا بتحسن الأحوال الجوية.
ويُعرَف شهر فبراير/شباط بتناقُله بين تعابير شعبية، حيث يُقال "شباط اللباط" و"شباط ما عليه رباط" و"شباط قد ما شبّط ولبّط، ريحة الصيف فيه"، إشارةً إلى اقتراب نهاية الشتاء واقتراب موسم الربيع
أما شهر مارس/آذار، فيُعرَف بـ "آذار الغدار"، حيث قد يفاجئ الناس بتقلّبات جوية مفاجئة، ويُنصح بـ "خبّي فحماتك الكبار لآذار"، أو "خبّوا خشباتكو الكبار لعمكو آذار"، لترك الحطب الكبير لفترة التدفئة في هذا الشهر.
أما شهر أبريل/نيسان، فيُظهر قليلاً من المطر، ويُقال "شتي نيسان بيحيي (ينعش) الإنسان"، و"الشتوة في نيسان جواهر ما إلها (لها) أثمان"، مُبرزين أهمية هذه الزخات في تجديد الحياة وجمال الطبيعة.
وفي ختام رحلة استكشاف أمثال الشتاء الشعبية، نجد أن هذه العبارات ليست مجرد كنوز للثقافة الشعبية، بل تعتبر لحظات باردة من الماضي تتسلل إلى الحاضر بلغة الإنسان، وتعكس هذه الأمثال تجارب الأجداد وتقاليدهم في مواجهة فصول البرد، وتحمل قيمًا وحكمًا تتناغم مع تقاليدنا وحياتنا اليومية، وإن استمرار تداول هذه العبارات يمثل ربطًا حيويًا بين الأجيال، حيث تظل لغة الأمثال تنقل لنا تلك اللحظات الباردة، جاعلة من شتاء الماضي لحظات دافئة في قلوبنا في كل مرة نستحضر فيها حكمة هذه العبارات.
اقرأ أيضا:
ماذا قالت الأمثال الشعبية عن الكوانين وأشهر البرد؟
ما هي أسماء الشتاء الشعبية وماذا تعني؟
المصادر:
تطبيق طقس العرب
حمل التطبيق لتصلك تنبيهات الطقس أولاً بأول