طقس العرب - يحب أغلب الناس فصل الشتاء بأمطاره وثلوجه لأنه مرتبط بزيادة خير الأرض، ولطالما بعث الزائر الأبيض السعادة في النفوس، فهل يجلب الثلج السعادة أيضاً لكوكبنا؟
يعتبر الثلج الموسمي جزءاً مهماً من نظام مناخ الأرض، حيث يساعد الغطاء الثلجي في تنظيم درجة حرارة سطح الأرض، كما تساعد المياه الناتجة عن ذوبان هذا الثلج في ملء الأنهار والخزانات المائية في العديد من مناطق العالم، وعندما نتحدث عن الغطاء الثلجي نعني به مساحة الأرض التي يغطيها الثلج المتراكم، فالغطاء الثلجي أكبر عنصر في الغلاف الجليدي من حيث المساحة، حيث يغطي بالمتوسط حوالي 46 مليون كم2 من سطح الأرض كل عام، ويقع حوالي 98% من الغطاء الجليدي للأرض في نصف الكرة الشمالي.
(صورة توضح متوسط مساحة الغطاء الثلجي في نصف الكرة الشمالي الذي يصل أقصى حد له في شهر يناير (على اليسار) ، وأدنى حد في أغسطس (على اليمين))
يساهم الغطاء الثلجي في الحفاظ على توازن حرارة الأرض، وذلك من خلال بعض خواصه الفريدة مثل خاصية الانعكاس والعزل، لكن كيف يحدث ذلك؟
يتمتع الثلج الأبيض بخاصية انعكاس عالية لضوء الشمس، حيث يعكس الغطاء الثلجي الأبيض حوالي 80- 90% من طاقة الشمس إلى الغلاف الجوي، بينما تعكس الأشجار والنباتات والتربة 10-30% فقط من ضوء الشمس، ويظهر هذا التأثير بشكل أكبر خلال فصل الربيع (من أبريل إلى مايو في نصف الكرة الشمالي)، عندما تصبح الأيام أطول وتزداد كمية أشعة الشمس فوق المناطق المغطاة بالثلوج، فتساعد الانعكاسية العالية للثلج على تبريد الكوكب، مما يساهم في الحفاظ على توازن حرارة الأرض.
بالإضافة إلى المساعدة في تبريد الأرض، يساهم الغطاء الثلجي أيضًا في الحفاظ على دفء الأرض، حيث يعمل الغطاء الثلجي مثل البطانية العازلة ويحافظ على حرارة الأرض تحته، فطبقة من الثلج بسماكة 30 سم كافية لحماية التربة والكائنات الحية من الانخفاض في درجة حرارة الهواء الموجود فوق سطح الثلج.
كما يؤثر سطح الثلج البارد والرطب على مقدار الحرارة والرطوبة المتبادلة بين الأرض والغلاف الجوي، فيساعد الثلج على الاحتفاظ بالحرارة ومنع الرطوبة من التبخر إلى الغلاف الجوي، حتى أن الغطاء الثلجي الموجود على مواد الأخرى، مثل التربة الصقيعية والجليد النهري أو الجليد البحري، يمنع من انتشار الجليد تحته.
وهناك فائدة أخرى للغطاء الثلجي على التربة، فعندما تتجمد التربة تحبس الغازات مثل الكربون والميثان، مما يمنع اطلاقها إلى الهواء والغلاف الجوي، حيث يعتبر الكربون والميثان من الغازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري، كما تمنع التربة المتجمدة حركة الماء داخل التربة وعلى سطح التربة، نظرًا لأن سطح التربة متجمد، فهي تمتص كمية أقل من الماء السائل الذي قد يزيد من الجريان السطحي.
هناك عدة عوامل تؤثر على الغطاء الثلجي ومقدار الثلج المتراكم في منطقة معينة، فبالإضافة إلى خط العرض الذي تقع عليه المنطقة والوقت من العام، تساهم الاختلافات في الارتفاع، والغطاء النباتي، ومدى قرب المنطقة من الساحل، وكذلك أنماط الرياح والطقس السائدة، على خلق مناخات ثلجية مختلفة، إلا أن الاختلافات في التضاريس والرياح غالباً ما تسبب تغيرات في مناخات الثلج على نطاقات محدودة، إذ يمكن للرياح كشط الثلج من منحدر وإيداع الثلج على الجانب الآخر، مما يتسبب في اختلاف عمق الثلج بمقدار عشرة أضعاف فوق نفس الجبل.
ويمكن أن تؤثر الاختلافات في الغطاء الثلجي على أنماط الطقس الإقليمية، ففي أوروبا وآسيا مثلا، يمكن للتبريد الناتج عن التراكم الثلجي الكثيف والتربة الربيعية الرطبة أن يغير وقت بدء موسم الرياح الموسمية الصيفية ويؤثر على مدة استمرارها.
بينما يؤثر الغطاء الثلجي على المناخ، تؤثر التغيرات المناخية أيضًا على الغطاء الثلجي، فالتغيرات المناخية وارتفاع درجة الحرارة يمكن أن تؤدي إلى تقليل تساقط الثلوج، وتسبب ذوبان مبكر لها، وبالتالي تراجع الغطاء الثلجي، ولهذا تأثير كبير على توقيت وكمية المياه الناتجة عن ذوبان الثلج والتي ترفد الأنهار والبحيرات والخزانات المائية.
وتشير نتائج نماذج تغير المناخ التي يعدّها العلماء، إلى أن الثلوج ستتناقص لتغطي مساحة أقل من الكوكب خلال المائة عام القادمة، خاصة فوق أوروبا وآسيا، وهذه التغييرات في كمية الثلوج التي تغطي الأرض، والتغيرات في كيفية ذوبان الثلج في الربيع، ستؤثر على إمدادات المياه التي يستخدمها الناس لأشياء مثل الزراعة وتوليد الكهرباء. حيث أثار تراجع الأنهار الجليدية وتناقص التراكم الثلجي مخاوف بشأن تناقص إمدادات المياه في جميع أنحاء الهند وجنوب غرب آسيا.
وقد يمتد تأثير التغيرات على الغطاء الثلجي إلى الكائنات الحية التي تعيش في مناطق القطب الشمالي، فقد تسبب الطقس الدافئ في ألاسكا ومناطق القطب الشمالي الكندية في ذوبان الثلوج وإعادة تجمدها بشكل متكرر، فضلاً عن زيادة هطول الأمطار بدلاً من تساقط الثلوج، وعند انخفاض درجات الحرارة ليلاً تتجمد مياه المطر والثلج الذائب، فتصبح الأرض مغطاة بطبقة من الجليد الصلب، مما يجعل الحفر في الثلج للوصول إلى النباتات مهمة صعبة على حيوانات تلك المناطق، وهذا يعرضها لخطر الموت جوعاً.
وقد تأثرت كذلك منتجعات التزلج الواقعة في بعض سلاسل الجبال، مثل تلك الموجودة في غرب أمريكا الشمالية ونيوزيلندا وجبال الألب الأوروبية، حيث تعاني تلك المناطق من زيادة طفيفة على درجات الحرارة، مما قد يقلل مدة موسم التزلج، أو تسبب في إغلاق منطقة التزلج بالكامل، كما حدث في منتجع التزلج الوحيد في بوليفيا الذي تم إغلاقه بعد انحسار النهر الجليدي لمدة عقدين، ثم اختفى تمامًا.
وقد اختلف ارتفاع الثلج في العديد من منتجعات التزلج مثل منتجع التزلج في ويسلر بكولومبيا البريطانية، فبينما تكون القمة مغطاة بالثلوج خلال موسم التزلج، تحولت الأجواء بالقرب من قاعدة الجبل لتكون ممطرة، وبالإضافة إلى تأثير درجة حرارة الهواء، تعتبر الرطوبة عاملاً مناخيًا مهمًا لتكون الثلوج، فالثلج يتكون في المناخات الجافة بشكل أفضل من المناخات الرطبة، خاصةً عندما تكون درجات الحرارة لا تقل كثيرا عن نقطة التجمد.
ونظرًا لأن التغييرات في الغطاء الثلجي يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على بيئة الأرض والمناخ وعلى البشر، فقد طور العلماء طرقًا لمتابعة وقياس كمية الثلوج التي تغطي الأرض باستمرار، حيث سيساعد هذا السجل على فهم كيف يمكن أن يتغير المناخ على المدى الطويل، ويمكن أن تسهل هذه المعلومات تقييم كمية المياه التي ستنتج عن ذوبان الجليد في كل شتاء، ووقت ذوبانها.
تطبيق طقس العرب
حمل التطبيق لتصلك تنبيهات الطقس أولاً بأول