طقس العرب – قد يعيش كل منا حياة مختلفة في هذا العالم، نحب أشياء ونكره أشياء أخرى، قد يفرح بعضنا بشروق الشمس في الصباح، وبعضنا الآخر تسكن روحه مع غروب الشمس وانتشار الظلام، وبالرغم من هذه الاختلافات إلا أننا جميعا نتشابه في سماتنا الإنسانية، نحن نحتاج النور بقدر حاجتنا للظلام، نحب الدفء بالرغم من حاجتنا للبرد أحيانا كثيرة، فكيف للإنسان أن يتأقلم مع تغيرات الطبيعة، وكيف لنا أن نجد فيها بعض السلوى لتخفف عنا قسوتها!
تعيش "يونا" في شمال السويد، حيث يتلقى هذا الجزء من السويد الكثير من نور الشمس، أياماً متواصلة تشرق فيها الشمس دون أن يحل الظلام، كما يقضي سكان المنطقة أياماً عديدة تحت الظلام دون أن تشرق الشمس، سنتعرف من خلال هذا الفيديو على حياة سكان تلك المناطق وكيف يمكن للانسان التأقلم مع تلك الظروف..
خلال فصل الصيف في أقصى شمال السويد لا تغرب الشمس أبداً بين نهاية شهر مايو/ ايار وحتى منتصف شهر يوليو/تموز، بحيث يرى سكان المنطقة الشمس 24 ساعة في اليوم، وهو ما يسمى بشمس منتصف الليل.
وفي الشتاء يحدث العكس، حيث تبقى الشمس مختبئة تحت الأفق لعدة أسابيع، ليعيش السكان من دون ضوء الشمس مدة شهر تقريباً، وهذا ما يسمى بالليل القطبي.
تباين كبير في كمية الضوء التي تتلقاه المنطقة بين فصلي الصيف والشتاء، وهذا التباين ناتج عن ميلان محور الأرض أثناء دورانها حول الشمس، ويزداد هذا التباين كلما اقتربنا من القطب الشمالي للأرض، إلا أن يونا تعيش في وسط شمال السويد، حيث ترتفع الشمس في أحلك أوقات العام ارتفاعاً طفيفاً في الأفق وقت الظهيرة، لتظهر بخجل من بين الأشجار لمدة ساعة تقريباً، وذلك في حال كانت السماء صافية، أما في أيام الشتاء الغائمة قد لا يرى السكان أي شعاع من الشمس لأكثر من شهر.
تصف يونا احساسها عندما شعرت بأشعة الشمس على وجهها في بداية شهر يناير، وذلك لأول مرة منذ أكثر من شهر، شعور غامر ينتابها عند رؤيتها لضوء الشمس مرة أخرى في يناير، شعور يشبه رؤية الشمس لأول مرة في الحياة، وبالرغم من أن الأمر يبدو صعبًا في بعض الأحيان أن تعيش في ظروف متباينة من ضوء الشمس، إلا أن يونا تصف حبها وتصالحها مع تلك الظروف وعدم رغبتها بتغييرها، فهي ترى في لمح الشمس الذي يطل بعد غياب جمالاً لا يوصف.
عادة ما تحاول يونا تغيير إيقاع يومها خلال الصيف، بحيث تبقى مستيقظة طوال الليل ثم تنام في وقت الظهيرة بدلاً من ذلك، فهي ترى جمالاً مختلفاً لضوء الشمس في منتصف الليل، وتعتبر ذلك مخرجًا لها ووقتاً مثالياً لممارسة هوايتها في التصوير، فالأمر أشبه بحلم، أن تخرج وتلتقط صوراً لجمال الليالي المشرقة في شهر يونيو/حزيران.
وفي فصل الشتاء، حتى لو لم تحصل على الكثير من ضوء الشمس، فهي على الأقل تحصل على بضع ساعات من ضوء الفجر الساحرة خلال النهار، هذا الضوء الذي تعتبره يونا أجمل ضوء يمكن أن تراه في النهار، وعندما تكون السماء صافية وتشرق الشمس قليلاً فوق قمم الأشجار، تنشر ضوءًا ورديًا ناعمًا في الطبيعة، في مشهد يفوق جماله الوصف.
وعندما يحل الظلام، وتتحول الأيام إلى ليالٍ لا تنتهي، يُظهر الظلام بعض الأشياء التي لم تكن مرئية في النور، آلاف النجوم البعيدة تتلألأ في السماء، ومع غياب التلوث الضوئي في المنطقة التي تسكن يونا فيها، تصبح سماء الليل لوحة تخطف الأنفاس، وهذا أحد الأسباب الذي يجعل يونا تحب الشتاء في منطقتها.
وقد ترسل الشمس تحية لطيفة في الظلام بين الحين والآخر، حيث تنطلق جزيئات مشحونة من سطح الشمس فيما يسمى بالعواصف الشمسية، وعندما تصل إلى الأرض تصطدم بمجالنا المغناطيسي وتخلق الشفق القطبي، أضواء الشمال التي تتراقص في السماء، وتذكر يونا مدى حبها للوقوف تحت أضواء الشمال في ليلة شتاء باردة ومظلمة، فهي مستعدة لاحتمال الليالي المظلمة ما دامت ترى النجوم وأضواء الشمال، عندها قد يستحق الأمر العناء.
وبالرغم من وجود كل هذا الجمال في شمال السويد، إلا أنه ليس من السهل دائماً على يونا العيش والتكيف مع كل تلك الظروف، قد يكون الصيف سهلا، بالرغم من صعوبة النوم أحياناً بوجود الشمس طوال الليل، لكن يمكن حل المشكلة مع بعض الستائر السميكة والداكنة.
لكن الشتاء والظلام يمثلان بالتأكيد تحديًا أكبر بكثير، فخلال غياب الشمس في الأشهر الأكثر ظلمة وبرودة بين نوفمبر ومارس، تجد يونا صعوبة في بعض الأحيان للحفاظ على طاقتها، وقد يصعب الاستيقاظ في الصباح عندما يكون الظلام بالخارج، فجسم الإنسان يرغب بشكل طبيعي في الاستيقاظ مع ظهور الشمس، وغالبًا ما يتم الخلط بين الأوقات نظرًا لأن الظلام يجعل الأمر يبدو وكأن الوقت متأخر، كما تؤثر قلة ضوء النهار على عمل يونا كصانعة أفلام، حيث يكون لديها ساعة واحدة فقط من الإضاءة الجيدة للتصوير خلال اليوم، مقارنة بفصل الصيف الذي تتوفر فيه الإضاءة 24 ساعة، لذا فإن الظلام الممزوج بالبرد يجعل الأمور أكثر صعوبة بعض الشيء.
لكن تقول يونا أن هناك العديد من الأشياء التي يمكن القيام بها لجعل الشتاء أسهل قليلاً، فمن الأشاء التي تلجأ إليها يونا لتساعدها على التكيف بشكل أفضل مع نقص ضوء الشمس، وانخفاض الطاقة والشعور بالتعب، هو محاولة عدم الاكثار من النوم، وتبذل قصارى جهدها للحفاظ على نشاطها بالحركة المستمرة قدر المستطاع، والحصول على أكبر قدر ممكن من ضوء النهار، حيث تذهب في نزهات طويلة كل يوم، وإذا كان الطقس جيدًا، فتحب يونا الخروج إلى الغابة مع كاميرتها، أو تذهب للتزلج.
تحب يونا أيضا أخذ حمام الجليد، تغمر نفسها في المياه شديدة البرودة، مع عمل تمارين التنفس، حتى أصبحت هذه الطريقة المفضلة لديها لتعزيز وتجديد طاقتها، فالغطس في الماء المتجمد هو في الواقع آخر شيء قد يرغب الانسان القيام به في تلك اللحظة، لذلك تعتبر يونا أن وضع نفسها في هذا النوع من التحدي هو إيقاظ لشيء بداخلها يساعدها على إعادة ضبط الجسم، فللسباحة والاستحمام في الماء البارد العديد من الفوائد الصحية الجيدة، لكنها لا تناسب الجميع، من المهم الحصول على المعرفة الجيدة قبل تجربة حمام الجليد إذا لم تكن قد فعلت ذلك من قبل، لكن بالنسبة ليونا كان مصدرًا رائعًا للطاقة والفرح خلال فصل الشتاء.
تشعر يونا باختلاف كبير في مستويات طاقتها في الشتاء عندما تتحرك بطريقة ما، حتى القليل من الحركة كل يوم يجعلها تشعر بأنها ما زالت على قيد الحياة، وعندما لا تستطيع يونا الحصول على طاقة كافية من الشمس، فهي تهتم بالحصول على ما يكفي من الطاقة والتغذية من الطعام، حيث تقدم الطبيعة الكثير من الطعام في الصيف، بحيث يمكنها حصاد الثمار وادخارها لفصل الشتاء عندما تكون في أمس الحاجة إليها، ففي الشمال لدي يونا الكثير من التوت في الغابة، تحب يونا قطف أطنانًا من العنبية والتوت البري وتضعه في الفريزر حتى تتمكن من تناول التوت وشرب عصيره كل يوم خلال فصل الشتاء.
تحب يونا أيضًا اختيار أعشاب مختلفة مفيدة لصحتها، وتجففها لصنع الشاي خلال فصل الشتاء، أحد أنواع الشاي المفضلة لديها عندما يكون الجو باردًا ومظلمًا بالخارج هو شاي أوراق البتولا، حيث تقطفهم يونا بمجرد أن يبدأوا في التفتح في فصل الربيع، بينما لا تزال الأوراق صغيرة وخضراء، فتجد في رائحة الشاي وطعمه رائحة تشبه الربيع، وهذا ما تحتاجه يونا في منتصف الشتاء، أن يكون لديها شيء من الربيع ليذكرها بالوقت الرائع الذي سيأتي عندما يتفتح كل شيء وتغرد الطيور مرة أخرى.
وبالطبع تتناول يونا أيضًا مكملات فيتامين (د)، التي يقود جسم الانسان بتصنيعه في الجلد عند التعرض لأشعة الشمس، لذلك تحتاج يونا لتناول حبوب الفيتامين بسبب غياب الشمس لعدة أشهر، على الرغم من أن هذا لن يحل محل الشمس أبدًا، لكنه يساعد قليلاً.
وهناك أشياء عديدة أخرى يمكن القيام بها للتعامل مع الظلام الذي لا ينتهي، لكن تعتقد يونا أن أهم شيء على الإطلاق هو قبول دورات الطبيعة والتكيف معها، فبينما تشعر يونا باختلاف كبير في الطاقة خلال الصيف والشتاء، واختلاف في الطبيعة حولها، وفي نفسها، إلا أن عدم الرضا وعدم قبول ظروف الشتاء والظلام، وأن نجبر أنفسنا على الشعور بنفس الشعور الذي كنا نشعر به في الصيف، يمكن أن يزيد الأمر سوءا ويسبب معاناةً إضافية.. لا بأس أن نشعر بالتعب أحياناً.. لا بأس أن نشعر بنقص الإلهام .. ولا بأس في أن نحتاج إلى مزيد من النوم، وأن نترك الأمور تسير طبيعية.. فالزهرة تتمهل ولا تجبر نفسها على الإزهار في الشتاء البارد.
غيرت طريقة التفكير هذه طريقة يونا في التعامل مع الفصول المختلفة، هي تحب الشتاء بقدر ما تحب الصيف، فلكل منهما فوائده وتحدياته، وهكذا يصبح الأمر أسهل، عندما نتقبل ما نشعر به بدلاً من محاربته، وأن نتقبل دورات الطبيعة والدورات التي نمر بها في أنفسنا، وأن نتعلم كيف نتعايش معها، وهذه هي طريقة التعايش مع النور والظلام في شمال السويد من وجهة نظر يونا.
تخلق التناقضات الشديدة هذه في الضوء أيضًا تباينات أكبر مع الفصول، ولكل منها جماله الخاص، يونا تحب التغير المستمر في الفصول، ويمكنها أن ترى وتشعر التغيرات الطفيفة في الضوء في كل يوم يمر، قد يكون هذا التوازن الجميل بين النور والظلام، أعظم مصدر إلهام، ويجعل في كل يوم بداية جديدة ومختلفة.
تطبيق طقس العرب
حمل التطبيق لتصلك تنبيهات الطقس أولاً بأول