طقس العرب-مع حلول رأس السنة الهجرية، يتذكر المسلمون في جميع أنحاء العالم الهجرة النبوية الشريفة، التي تعدّ نقطة تحول كبرى في التاريخ الإسلامي ولكنها ليست فقط حكاية الانتقال من مكة إلى المدينة، بل تتضمن أيضاً عوامل بيئية ومناخية كان لها تأثير كبير على مسار هذه الرحلة التاريخية.
بينما كانت هناك أجزاء من الحجاز تتمتع بتربة خصبة وهطول أمطار غزيرة قد تتسبب في حدوث صواعق كانت هذه الأمطار الغزيرة تنبت أنواعاً مختلفة من الزروع والأشجار، وتحدث القرآن الكريم في آيات عديدة عن هذا الخير الذي ينزل من السماء، وكيف يساهم في تفجير العيون وإنبات الزروع من أعناب ونخيل ورمان وزيتون وحبوب:
{وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} [الأنعام: 99].
وهذه الآيات تخاطب أهل الحجاز، وخاصة أهل مكة، مشيرةً إلى المناطق الخصبة في الحجاز والمناطق المجاورة لمكة، مثل الطائف وضواحيها، والوديان بين مكة وجدة، ويثرب (المدينة المنورة) وضواحيها. لا تزال هذه المناطق حتى اليوم تحتفظ بالينابيع والوديان وتتمتع بخضرة السهول وجنات النخيل والأعناب ومختلف الفواكه والزروع.
إلا أن الجفاف الذي اجتاح بلاد العرب، بما فيها الحجاز، حوّل معظم أراضيها إلى صحراء قاحلة وأدى إلى تباعد مراكز الاستقرار. وهذا التأثير الكبير على الحياة الاجتماعية والسياسية في شبه الجزيرة العربية أعاق نشوء المجتمعات الكبرى، مما جعل الحياة السياسية والاجتماعية تعتمد على النظام القبلي وسواء في البادية، أو في المناطق التي نشأت فيها ممالك وحكومات منظمة، أو في المدن السياسية مثل مكة والمدينة، أصبحت القبيلة هي الوحدة الأساسية للمجتمع العربي بشكل عام.
تتميز مناطق الحجاز بتنوعها من الناحية المناخية والطبيعية فبعض المناطق تعاني الجفاف الشديد وارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه، وتحيط بها الجبال، مما يجعل سكانها يعتمدون على الموارد التي تجلب إليهم من الخارج، ومن أبرز هذه المناطق مكة المكرمة، التي تقع في وادٍ غير ذي زرع وكانت مكة تعتمد بشكل كبير على ما يجلب إليها من موارد خارجية، وكان أهلها يعتبرون حرمة البيت الحرام ومكانته سببًا لرزقهم وأمنهم ولهذا، لم يسرعوا لاتباع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما بعث نبيًّا، خشية أن يفقدوا هذه الميزات التي يتمتعون بها:
{وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} [القصص: 57].
نظرًا لشدة الحرارة في مكة، كان سكانها يهربون إلى الظلال، وإلى الجبال المحيطة بها للاحتماء من الحر، وهذه الجبال كانت توفر ملاذًا طبيعيًا يحتمي به الناس من الشمس الحارقة، مما أعطى جبال مكة أهمية كبيرة.
مكة كانت تعاني من نقص في المياه، مما جعل مهمة السقاية، أي توفير الماء للحجاج، فضيلة عظيمة في نظر أهلها، وهذا يفسر الحفاوة الكبيرة التي أسبغت على رواية حفر بئر زمزم، حيث كانت هذه البئر مصدرًا حيويًا للمياه للحجاج وسكان مكة على حد سواء.
وفي السنة الهجرية الأولى، كانت الجزيرة العربية تعرف بطقسها القاسي، حيث تتسم الأيام بدرجات حرارة عالية والليالي بالبرودة القاسية ورحلة الهجرة من مكة إلى المدينة قطعت حوالي 400 كيلومتر عبر الصحراء العربية القاحلة، وهذا الطريق الشاق لم يكن سهلاً بفضل تضاريسه الوعرة ومناخه الصعب، مما زاد صعوبة الرحلة على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.
وأثناء الهجرة، واجه المسلمون العديد من التحديات المناخية الحرارة الحارقة خلال النهار كانت تشكل خطراً كبيراً، خاصة في المناطق الصحراوية المفتوحة كما كانت الرياح الجافة والرمال المتحركة تزيد من صعوبة التنقل وتؤثر على قدرتهم على السفر بسلامة. ليلاً، كانت البرودة الشديدة تتطلب وسائل خاصة للتدفئة والبقاء دافئين.
النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يعتمدون على معرفتهم العميقة بالبيئة والتضاريس المحلية للتغلب على هذه التحديات واستخدموا مسارات معينة تجنبهم الأماكن الأكثر قسوة وسلكوا الطرق التي توفر لهم الماء والظل كلما أمكن. تلك المعرفة والقدرة على التكيف كانت سبباً في نجاح الهجرة.
بعد الهجرة، واصل المسلمون رحلتهم التاريخية لنشر الإسلام في مناطق مختلفة والطقس لعب دوراً مهماً في الفتوحات الإسلامية، حيث كان عليهم التأقلم مع مناخات متنوعة تتراوح بين الصحاري الجافة والجبال الباردة وكانت القدرة على التكيف مع الظروف المناخية المختلفة عاملاً حاسماً في نجاح المسلمين في بناء دول ومجتمعات جديدة.
الطقس لعب دوراً مهماً في عدة غزوات خلال فترة النبوة، وقد أثر على سير المعارك ونتائجها هنا نظرة على تأثير الطقس في بعض الغزوات البارزة:
الطقس:
الأمطار: هطلت أمطار ليلة المعركة.
التأثير:
الطقس:
لا توجد تقارير خاصة عن الطقس في غزوة أحد.
التأثير:
تأثير الطقس لم يكن ملحوظاً، لكن التلال المحيطة بأحد كانت جزءاً من التضاريس التي أثرت في سير المعركة، خاصة في ما يتعلق بمواقع الرماة.
الطقس:
الرياح الشديدة والبرد القارس: خلال الحصار الطويل.
التأثير:
الطقس:
لا يوجد مصادر موثوقة تفصل عن حالة الطقس خلال غزوة تبوك، لكن يعتقد أن الظروف الجوية كانت حارة وجافة كما هو معتاد في المنطقة خلال فصل الصيف.
التأثير:
الظروف الجوية القاسية، بينما في أحيان أخرى، ساعدت الظروف الجوية المسلمين على التفوق وتحقيق النصر.
بعد الاستقرار في المدينة المنورة، كان للمناخ تأثير كبير على الحياة اليومية للمسلمين. المدينة كانت تتمتع بمناخ أفضل من مكة، مما ساعد في تطوير الزراعة وتحسين الظروف المعيشية حيث اعتنى المسلمون بالزراعة بشكل خاص، حيث استغلوا الموارد المائية والأرض الخصبة لزراعة محاصيل متنوعة مثل التمور والحبوب والخضروات.
الطقس لا يزال يلعب دوراً مهماً في حياة المسلمين اليوم. يعتمد التقويم الهجري على القمر، مما يعني أن الشهور الهجرية تتحرك عبر الفصول المختلفة. هذا يجعل المناسبات الإسلامية تأتي في مواسم مناخية مختلفة كل عام، مما يؤثر على كيفية الاحتفال والصيام وأداء العبادات.
الطقس كان ولا يزال جزءاً لا يتجزأ من رحلة المسلمين عبر التاريخ. من الهجرة النبوية إلى الفتوحات الإسلامية، والتأقلم مع الظروف المناخية المتنوعة، أظهر المسلمون قدرة فريدة على التكيف مع البيئة المحيطة بهم. وفي رأس السنة الهجرية، نتذكر هذه الرحلة التاريخية ونستخلص منها دروساً عن الصمود والإبداع في مواجهة التحديات البيئية والمناخية.
شاهد أيضا:
مدينة عربية تستقبل فصل الخريف في عز الصيف
جمرة القيظ | ظاهرة مناخية صعبة بدأت مع بداية شهر تموز/يوليو وبدأت معها أشد أيام السنة حرارة
المصادر:
mawdoo3
surahquran
aljazeera
تطبيق طقس العرب
حمل التطبيق لتصلك تنبيهات الطقس أولاً بأول