طقس العرب - قبل أربعة مليارات ونصف المليار سنة، اصطدم كوكب بالأرض البدائية واندمج معها، وخلال الاجتماع الضخم انبثقت كتلة صخرية صغيرة أصبحت قمرا لأرضنا، وأقرب رفيق لنا في اتساع الفضاء، وهذا تدبير الله سبحانه وتعالى في هذا الكون المحكم.
لم يكتفي القمر بأن يكون رفيقا للأرض ينير سمائنا، بل يلعب دوراً مهما في طريقة الحياة على الأرض، منها تأثيره على مناخ الأرض وأنماط الطقس فيها، وسنتحدث في هذا المقال بعض الطرق التي يؤثر فيها القمر على طقس الأرض.
يمكن رؤية التأثير الأكثر وضوحًا للقمر على الأرض من خلال ظاهرة المد والجزر في البحار والمحيطات، فبينما تدور الأرض حول محورها كل يوم، تسحب جاذبية القمر الماء نحوه في الجهة الأقرب إلى القمر، مما يؤدي إلى انتفاخ البحار على ذلك الجانب، وينتفخ البحر على الجانب الآخر أيضًا بسبب قوة الطرد المركزي الناتجة عن دوران الأرض، مما يؤدي إلى ارتفاع المد والجزر مرتين كل يوم.
كل 18.6 سنة "يتذبذب" مدار القمر بين حد أقصى وأدنى زائد أو ناقص 5 درجات بالنسبة إلى خط استواء الأرض، وعندما يميل المستوى القمري بعيدًا عن المستوى الاستوائي للأرض، يصبح المد والجزر على الأرض أصغر، أما عندما يكون مدار القمر أكثر توازيا مع خط استواء الأرض ، فإن المد والجزر يكون أكبر.
يرتفع منسوب مياه البحر بشكل مطرد بسبب تغير المناخ، ومع تأثير دورة تذبذب مدار القمر، سيؤدي هذا إلى زيادة كبيرة في عدد فيضانات المد المرتفع خلال العقد الثالث من القرن الحالي.
هذه الفيضانات التي تتفاقم مع تغير المناخ وتأثير القمر، تلحق الضرر بالبنية التحتية وقد تغمر المناطق الساحلية وتغير الخطوط الساحلية، وتهدد الحياة البرية في النظم البيئية الساحلية.
لكن تأثير دورة القمر يشمل جميع المواقع على الأرض ويرفع مستويات البحر في كل مكان، لذلك سنرى هذه الزيادات السريعة في فيضانات المد العالي في جميع أنحاء العالم.
تؤثر ظاهرة المد والجزر على أنظمة الطقس على الأرض، حيث يؤثر المد والجزر على حركة التيارات المحيطية، والتي تحرك المياه الدافئة أو الباردة حول الأرض، بحيث تجلب تيارات المحيط الدافئة طقسًا أكثر دفئًا ورطوبة أكثر، بينما تجلب التيارات المحيطية الباردة طقسًا أكثر برودة وجفافًا.
اقترح علماء من جامعة ولاية أوهايو أن التبديل بين ظاهرتي النينيو والنينيا قد يتأثر بموجات المحيط الجوفية مدفوعة بقوة جاذبية المد والجزر الناتجة عن القمر، فقوة جاذبية القمر تؤثر على تيارات المد والجزر وبالتالي حركة واختلاط الطبقات العليا من مياه المحيط ودرجة حرارة سطح المياه (هذا ينطبق بشكل خاص على شمال المحيط الهادئ).
وأفاد باحثون في جامعة طوكيو أنه يمكن توقع "التذبذب الجنوبي لظاهرة النينو" (Enso) من خلال النظر في دورة تذبذب مدار القمر التي تتكرر كل 18.6 عامًا. ودورة "التذبذب الجنوبي لظاهرة النينو" (Enso) هو تحول دوري في نظام المحيط والغلاف الجوي يؤثر في طقس العالم، ويشير جزء منه إلى التغيير في الضغط الجوي عند مستوى سطح البحر فوق المحيط الهادئ الاستوائي.
للتوضيح:
عادة تدفع الرياح القوية على طول خط الاستواء المياه السطحية الدافئة غربًا من أمريكا الجنوبية باتجاه إندونيسيا، وترتفع المياه العميقة الأكثر برودة لتحل مكانها.
خلال حدوث ظاهرة "النينيو"، تضعف هذه الرياح التجارية أو حتى تنعكس، مما يؤثر على الطقس في جميع أنحاء العالم. فتتراكم المياه السطحية الدافئة بالقرب من الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية، وتبقى المياه الباردة في أعماق المحيط، عندها قد تغرق المناطق الرطبة في الجفاف بينما قد تغمر الأمطار المناطق الجافة.
من ناحية أخرى، فإن حدوث ظاهرة "النينيا" له تأثير معاكس لظاهرة النينيو، الرياح التجارية الأقوى من المعتاد تدفع المزيد من المياه الدافئة نحو آسيا، ثم تدفع المياه الباردة التي ترتفع قبالة سواحل الأمريكتين التيار النفاث شمالًا، والنتيجة هي درجات حرارة أدفأ من المعتاد في الشتاء في الماطق الجنوبية، وأبرد من المعتاد في المناطق الشمالية.
بينما من المتوقع أن تُحدث دورة تذبذب مدار القمري تغييرًا ملحوظًا خلال العقود القادمة، إلا أنه على نطاق زمني أقصر ، يؤثر القمر على الأرض بعدة طرق أخرى أقل شهرة.
يُعتقد أن القمر يؤثر على درجات الحرارة القطبية ويساهم في التقلبات في حجم جليد القطب الشمالي، وذلك بسبب الاختلاف الشهري المتكرر في كمية الضوء المنعكس عنه، فقد أظهرت قياسات الأقمار الصناعية أن القطبين أكثر دفئًا بمقدار 0.55 درجة مئوية أثناء اكتمال القمر.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل قوى المد والجزر على تفتيت الصفائح الجليدية وتغيير تدفقات حرارة المحيط، وتغيير كمية الجليد في المحيط المتجمد الشمالي.
يذكر كريس ويلسون، خبير الفيزياء البحرية ومناخ المحيطات في المركز الوطني لعلوم المحيطات، أن القمر يولد تيارات مدية وأمواج على السطح وفي عمق المحيط، قد تذيب هذه التيارات والأمواج أو تفكك الجليد البحري ، إما بسبب نقل واختلاط المياه الدافئة أو بسبب حركات الشد والدفع التي تعمل على تمزيق الجليد إلى قطع أصغر، مما يجعلها أكثر عرضة للذوبان.
المياه والجليد في المحيط ليسا الأجزاء الوحيدة من الكوكب التي تشهد ظاهرة المد والجزر، للقمر أيضًا تأثير ظاهرة المد والجزر على كل من الأرض الصلبة كما يؤثر على المحيطات، لكن قد يكون بتأثير أقل، حيث تتشوه الأرض وتنتفخ كما يفعل البحر، ويُعتقد أن هذا يساهم في حدوث النشاط البركاني والزلازل.
يؤثر المد والجزر أيضاً على الغلاف الجوي للأرض حيث يتسبب في تدفق الطاقة من الغلاف الجوي العلوي إلى السفلي ويُحدث تغيرات في الضغط الجوي. تم اكتشاف تغيرات ضغط الهواء المرتبطة بموقع القمر لأول مرة في عام 1847. تسبب قوى الجاذبية القمرية انتفاخات وتذبذبات في الغلاف الجوي للأرض، على غرار تلك التي شوهدت في الماء.
ونتيجة لذلك، من المعروف أن الضغط المنخفض يؤدي إلى طقس بارد ورطب، والضغط الأعلى يؤدي إلى طقس أكثر هدوءًا.
لكن تأثير القمر على هطول الأمطار عبر المد والجزر في الغلاف الجوي ضئيل ، لأن العوامل الأخرى مثل حرارة الشمس لها تأثير أكبر بكثير. حيث أفاد باحثون في جامعة واشنطن أن قوى الجذب القمرية تؤثر على كمية هطول الأمطار - ولكن بنسبة 1٪ فقط.
كان لوجود القمر دور أساسي في جعل الحياة ممكنة على الأرض، فالقمر يعمل على استقرار الأرض أثناء دورانها حول محورها، مما يساعد على منحنا مناخاً مستقراً. بدون القمر، ستهتز الأرض بشكل أكثر تقلباً، وسيتحرك القطبان بشكل ملحوظ بالنسبة لمدار الأرض، وستبدو الفصول والأيام مختلفة تمامًا.
لكن المد والجزر يدفع أيضًا قمرنا بعيدًا عنا، إذ يتحرك القمر بعيدًا عن الأرض بمقدار 4 سم تقريبًا في كل عام، بسبب المد الذي يسببه على الأرض.
هذه كانت بعض الطرق التي يؤثر فيها القمر بشكل غير ملحوظ على الأرض ومناخمها، ولا يوجد شيء في هذا الكون إلا له غاية وهدف، فسبحان الله أبدع الكون ونظمه وأحكم في تدبيره.
تطبيق طقس العرب
حمل التطبيق لتصلك تنبيهات الطقس أولاً بأول