طقس العرب - في يونيو/حزيران عام 2009، عاد صبي عمره 11 عاما من المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة، ولم تكد تمضي أيام حتى ظهر تورم في الغدد اللعابية أثناء حضوره إحدى النشاطات في مقاطعة سوليفان في نيويورك. إذ كان الصبي مصابا بالنكاف، وهو مرض معد ينتشر عبر الرذاذ في الهواء، ونقل الصبي العدوى إلى الولايات المتحدة دون أن يدري.
وفي نهاية النشاط الذي ينخرط فيه الطلاب في أنشطة جماعية يومية وجها لوجه حول طاولة صغيرة، أصيب 22 طفلا وثلاثة بالغين بالعدوى. وعندما عاد هؤلاء الطلاب لمنازلهم، انتشر الفيروس في بروكلين ومقاطعة روكلاند، ثم مقاطعة أوشن ومقاطعة أورانج، وأصيب إجمالا 3,502 شخصا على الأقل بالعدوى على مدى عام.
لكن المثير للاستغراب أن الصبي الذي نشر العدوى دون قصد قد تلقى جميع الجرعات المعززة من لقاح الثلاثي (الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية). صحيح أن الصبي كانت لديه مناعة من المرض، إذ ظهرت عليه أعراض طفيفة نسبيا، إلا أنه كان حاملا للفيروس وناشرا للعدوى.
وكشفت دراسة أن معظم اللقاحات لا تقي تماما من الإصابة بالعدوى، رغم أنها تمنع ظهور الأعراض. ولهذا فإن الأشخاص الذين تلقوا التطعيمات قد يحملون مسببات الأمراض وينشرونها دون أن يدروا. وربما أيضا يتسببون في تفشي جائحة.
توفر اللقاحات نوعين من الحماية، هما:
خلافا للمناعة الفعالة التي تعتمد على كريات الدم البيضاء مثل الخلايا البائية (بي) والتائية (تي)، والأجسام المضادة، فإن المناعة التعقيمية تعتمد كليا على الأجسام المضادة المعادلة، التي ترتبط بسطح مسببات الأمراض من جراثيم أو فيروسات، في حالة غزو الجسم وتمنعها من دخول الخلايا.
وفي حالة فيروس كورونا المستجد، ترتبط الأجسام المضادة المعادلة التي تعرفت على الفيروس بالبروتين السطحي الشائك على سطحه الذي يستخدمه لدخول الخلايا. ولتحقيق المناعة التعقيمية، تحفز اللقاحات إنتاج الأجسام المضادة المعادلة لمهاجمة أي جسيمات فيروسية تدخل الجسم.
حتى الآن، لم يقيم العلماء فعالية لقاحات كورونا المتوفرة بحسب قدرتها على منع انتقال العدوى، بل كان المعيار الرئيسي في تقييم فعاليتها هو مدى قدرتها على منع ظهور الأعراض.
وقد أثبتت دراسات بالفعل أن الأجسام المضادة التي ينتجها الجسم بعد الإصابة الطبيعية بمرض كوفيد-19 لا تمنع الإصابة بالعدوى مجددا. فقد خلصت دراسة بريطانية أجريت على العاملين بالرعاية الصحية إلى أن 17% من الأشخاص الذين كان لديهم أجسام مضادة للفيروس عند بداية الدراسة، أصيبوا بالعدوى للمرة الثانية.
لكن ثمة أدلة مبكرة تشير إلى أن بعض اللقاحات قد تكون قادرة على الحد من نقل العدوى بطرق عديدة، منها تقليل عدد الجزيئات الفيروسية في الجسم، حيث يفترض البعض أن اللقاحات ما دامت تمنع ظهور أعراض المرض، فإن عدد الفيروسات في الجسم سيكون أقل من المعتاد، ومن ثم ستقل احتمالات نقل العدوى، لكن هذا مجرد افتراض.
ستؤثر مدى فعالية اللقاحات في منع انتقال العدوى، على أمور عديدة، ليس فقط مدى استمرار تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي، بل أيضا تحقيق المناعة الجماعية (مناعة القطيع).
ويقول مايكل هيد، الزميل الباحث في الصحة العالمية بجامعة ساوثهامبتون: "إذا لم يمنع اللقاح انتقال العدوى بنسبة 100%، سيرتفع الحد الأدنى من الأشخاص المطلوب تطعيمهم لتحقيق المناعة الجماعية والقضاء على المرض".
وتعرف المناعة الجماعية بأنها الحماية غير المباشرة التي يكتسبها سكان مجتمع ما من الأمراض المعدية عندما يكون عدد كاف من أفراده محصنين من المرض. ويعتمد الحد الأدنى من الأشخاص المطلوب تطعيمهم لتحقيق مناعة قطيع على عوامل عديدة، منها معدل تكاثر الفيروس، بمعنى عدد الحالات الجديدة التي يمكن لحالة مصابة واحدة نقل العدوى إليها. ويتفاوت هذا المعدل من مجتمع لآخر بحسب المنطقة الجغرافية التي تعيش فيها والقواعد المفروضة للحد من انتشار الفيروس، مثل الحجر الصحي.
ولهذا لن يتمكن العلماء من وضع حد أدنى معين لتحقيق مناعة القطيع. لكن دراسة أشارت إلى أن تحقيق المناعة الجماعية في أحد المجتمعات سيتطلب تطعيم ما يتراوح بين 60% - 72% من السكان، إذا كان اللقاح فعالا بنسبة 100% في منع انتقال العدوى، أو ما يتراوح بين 75% - 90% من السكان إذا كان اللقاح فعالا بنسبة 80% في منع انتقال العدوى.
لكن بعض العلماء لا يتوقعون القضاء على الفيروس تماما. بل إن الهدف الآن هو تقليل معدل انتقال العدوى إلى أدنى حد. ويقول هيد: "قد نشهد موجات تفشي لكوفيد-19 حتى بعد توزيع اللقاحات، لكنها ستكون في مناطق محددة ولن تنتشر عالميا".
ويرى بعض العلماء أن التركيز على منع انتقال العدوى مجرد إهدار للوقت والجهد. ويبررون ذلك بالقول إنه حتى لو كان الشخص قادرا على نشر الفيروس، فبمجرد حصول نسبة كبيرة من السكان على اللقاح، سيكون معظم الناس محصنين من المرض.
غير أن مسألة منع انتقال العدوى قد تمثل أهمية كبيرة للأشخاص الذين لا يمكنهم الحصول على اللقاح، كالحوامل والصغار أو المرضى. ولهذا حتى نتوصل إلى إجابة شافية، ربما يجدر بنا أن نضع في الاعتبار قصة الصبي الذي نشر عدوى النكاف في الولايات المتحدة، ونتظاهر بأننا لم نحصل على اللقاح.
المصدر: BBC Future
تطبيق طقس العرب
حمل التطبيق لتصلك تنبيهات الطقس أولاً بأول