طقس العرب - تأتي “أربعينية الشتاء” كل عام وسط خوف وترقب، حيث تعتبر أبرد فترات الشتاء، وتزداد خلالها أمراض نزلات البرد والانفلونزا الموسمية، لكننا نأمل أن تحمل لنا الأربعينية (أو المربعانية) الخير من شتاء وأمطار، وربما ثلوج، وسقيا الرحمة التي تروي الأرض والزرع.
تبدأ المربعانية أو “أربعينية الشتاء” في 21 من شهر ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، وتستمر لمدة 40 يوما حتى نهاية شهر يناير/ كانون الثاني، فيما يُعرف اختصارا بـ"الكوانين"، وترتبط المربعانية بالبداية الحقيقية لفصل الشتاء، وما يرافقها من انخفاض درجات الحرارة وكثرة الخير من المطر، بحيث تحمل ما يُقدر بـ 30 % - 40 % من حجم الموسم المطري.
وتبدأ المربعانية من الناحية العلمية يوم الانقلاب الشتوي، فتشرق الشمس في أول أيامها من أقصى الجنوب الشرقي، بينما تغرب في أقصى الجنوب الغربي، ويكون في هذا اليوم أقصر نهار في العام وأطول ليل، بعدها يبدأ طول النهار بالتزايد التدريجي.
ارتبطت “المربعانية” عبر العقود الماضية بالكثير من المعتقدات الشعبية التي تغنت بخير هذا الموسم، وحذرت في الوقت ذاته من البرد الذي يرافقه، وكميات الأمطار الكبيرة التي يمكن أن تُحدث في بعض الأوقات كوارث طبيعية.
أمثال شعبية ومقولات كثيرة رافقت الأجداد على مدار عقود ماضية تتضمن تنبؤات أو توقعات جوية خلال فترة أربعينية الشتاء، مبنية على خبرة الكبار منهم، وعليه كان المزارعون والعائلات ينظمون حياتهم وفق تلك المقولات.
ومن أهم ما دونته كتب التراث من هذه الأمثال:
وجميعها تصب في المعنى ذاته من أن أربعينية الشتاء أو “المربعانية” تعتمد على ما يكون في بدايتها، فهي إما أن تكون ماطرة وتبقى عما هي عليه طيلة الاربعين يوماً (أمطار متفاوتة)، وإن جاءت مشمسة تبقى أمطارها قليلة نسبةً إلى الحجم المطري المعتاد.
الباحث والمختص في التراث الأردني الشعبي طه الهباهبة قال إن اسم “المربعانية” مأخوذة من الربيع، أي الفترة التي تبدأ معها تباشير الأزهار بعد تقليم الأشجار، وهي فترة غير محددة تاريخيا إلا انها في الأجندة الشعبية تقارب الأربعين يوما، تبدأ من بعد منتصف شهر 12، وتنتهي بنهاية شهر كانون الثاني / يناير.
ويبين الهباهبة أن هذه الفترة تعتبر متذبذبة الأحوال، متقلبة الأجواء، وفي بعض السنوات تمر مرور الكرام، بلا أعاصير ورياح، وبلا برد قارس، ويقول بعض كبار السن، والذين يعتبرون في الوجدان الشعبي خبراء مثل خبراء الأرصاد الجوية، إن هذه الفترة لها علامات وشواهد، فإن جاءت قبل موجة شتاء فإنها تكون باردة وقارسة جدا، وان جاءت بعد فترة شتاء فإنها ستمر دافئة لطيفة.
ومثلما هو الحال مع كل الظواهر الشعبية، من فلاحة، وحصاد وتقليم الأشجار، نجد أن الوجدان الشعبي من قصص وأمثال وحكايات تزدهر في هذه الأجواء، كما يقول الهباهبة، وقد تصل إلى درجة السخرية عندما يقول شخص لشخص اخر “وجهك ناشف مثل المربعانية، وذلك لأن هواء هذه الفترة ينشف الوجه، مع قشعريرة مرافقة”.
ويؤرخ بعض كبار السن، بحسب الهباهبة، ميلاد الابناء بسنة المربعانية، التي نشفت الزرع والضرع، كما يقولون، ومما يذكر أن المواسم التي تأتي بعد نهاية المربعانية، تتأثر تأثرا كبيرا بنتائجها، فيأتي سعد الذابح أكثر قسوة منها، وتكثر الزواحف والقوارض في سعد الخبايا، أما سعد السعود فيخجل من تلك السنة.
تأتي المنخفضات الجوية أحيانا في بداية “أربعينية الشتاء” وتكون مصحوبة بأمطار متفاوتة، ما يبشر المزارعين بأن الموسم المطري سيكون مناسباً للزراعة، فيبدأ المزارعون بحراثة الارض وتجهيزها للزراعة، كما تعتبر هذه الفترة حرجة على المزارعين في ذات الوقت، حيث يؤدي الانخفاض إلى ما دون الصفر إلى إتلاف المزروعات بشكل كبير.
وليس بالضرورة أن يرتبط دخول موعد الاربعينية بهطولات مطرية مباشرةً، إذ تعتمد طبيعة حركة المنخفضات الجوية على عدد كبير من العوامل المعقدة منها حركة الرياح وقيم الضغط الجوي ودرجات الحرارة في طبقات الجو، لكنها لا تعتمد على درجة الحرارة في أول أيام فصل الشتاء.
فقد تكون فترة مطرية شديدة أو جافة أحياناً، كما حدث في بعض السنوات، لكنها تعتبر الفترة “الأنسب” لوصول الكُتَل الهوائية القطبيّة المنشأ، لنضوج جبهات البحر الأبيض المتوسط، وثبات الأنظمة الشتوية.
وعلى الرغم من كل تلك التوقعات الجوية العلمية او المعتقدات الشعبية، إلا ان العائلات بطبيعة الحال، تستعد “فعلياً” لدخول فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة الكبير منذ اليوم الأول لدخول “المربعانية”، من خلال تهيئة مستلزمات التدفئة، والأغطية الثقيلة، والملابس الدافئة، إضافة إلى الاستعداد للمنخفضات الجوية التي قد تأتي تباعاً خلال هذه الفترة، وإن تفاوتت في كمية الأمطار، ولكن درجات الحرارة تبدو دائماً منخفضة.
تطبيق طقس العرب
حمل التطبيق لتصلك تنبيهات الطقس أولاً بأول