الاحترار الستراتوسفيري المفاجئ وعلاقته بالظروف الجوية الحالية والمتوقعة

2021-01-01 2021-01-01T16:14:59Z
رنا السيلاوي
رنا السيلاوي
محرر أخبار - قسم التواصل الاجتماعي

طقس العرب - تُتابع أغلب مراكز مراقبة المناخ العالمية حدوث ما يُسمى بالاحترار الستراتوسفيري المُفاجئ (Sudden Stratospheric Warming)، والذي يحدث فوق الدائرة القطبية الشمالية على ارتفاع ٣٠ كم تقريباً فوق سطح الأرض، وذلك لما لها من أثر عظيم على تغيير الأنماط الجوية السائدة في فصل الشتاء في النصف الشمالي للكرة الأرضية، فما هي هذه الظاهرة؟ وما تأثيرها على مناخ الأرض؟

 

تعريف طبقة الستراتوسفير

 طبقة الستراتوسفير هي إحدى طبقات الغلاف الجوي العليا، وهي ثاني طبقات الغلاف الجوي قرباً من سطح الأرض بعد طبقة التروبوسفير، حيث تمتد من 18 – 50 كم فوق سطح الأرض، ويكون الهواء فيها جاف ويخلو من بخار الماء والسحب، كما تخلو طبقة الستراتوسفير من تيارات الهواء الصاعدة والهابطة، لكن ينساب في قاعدتها نوعين من التيارات الهوائية يتحركان أفقياً حول معظم الكرة الأرضية، وتتميز هذه الطبقة بالبرودة وثبات درجة حرارتها تقريباً حول -5 درجة مئوية، لكن قد تزداد درجة الحرارة فوق القطبين لأن الطبقة تكون أقل سمكاً هناك، وتقل فوق خط الاستواء.

(صورة توضح طبقة الستراتوسفير بين طبقات الغلاف الجوي، وما تحتويه كل طبقة)

 

كيف تحدث ظاهرة الاحترار الستراتوسفيري المفاجئ

تدور في شتاء كل عام رياح غربية قوية عالياً في طبقة الستراتوسفير فوق القطب الشمالي، بحيث تدور حول هواء بارد في منطقة ضغط جوي منخفض، وهذا ما يسمى بالدوامة القطبية الستراتوسفيرية، وفي بعض السنوات، تضعف الرياح في الدوامة القطبية مؤقتًا، أو حتى تنعكس لتتدفق من الشرق إلى الغرب، فينزل الهواء البارد بسرعة كبيرة في الدوامة القطبية مما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة في الستراتوسفير بسرعة كبيرة تصل إلى 50 درجة مئوية خلال أيام قليلة فقط ومن هنا جاء مصطلح الاحترار المفاجئ في الستراتوسفير.

 

وعندما يتشتت الهواء البارد من أعلى طبقة الستراتوسفير، يمكن أن يؤثر على شكل التيار الأفقي النفاث بحيث يغوص الهواء البارد من الستراتوسفير إلى طبقة التروبوسفير، هذا التغيير في التيار النفاث هو الذي يتسبب في تغير الطقس لدينا.

 

هل يمكن التنبؤ بحدوث ظاهرة الاحترار الستراتوسفيري المفاجئ؟

عادة ما يستغرق الاحترار المفاجئ في الستراتوسفير بضعة أسابيع للتأثير على الطقس، ويمكن أن تتأخر التأثيرات إلى الشهر التالي، لكن الآن أصبح بالإمكان التنبؤ بارتفاع درجات الحرارة المفاجئة في الستراتوسفير قبل أسبوع تقريبًا، وذلك من خلال استخدام الأقمار الصناعية وبعض العلامات الأخرى، فأحيانا يحدث تعطُل التدفق الغربي المعتاد للتيارات النفاثة بسبب أنماط الطقس الطبيعية، أو الاضطرابات في الجزء السفلي من الغلاف الجوي، مثل وجود منطقة كبيرة من الضغط الجوي المرتفع في نصف الكرة الشمالي، مما يؤدي هذا إلى تذبذب التيار النفاث وتكسر هذه الموجات أو الاهتزازات تمامًا مثل تكسر الأمواج على الشاطئ، وعندها يمكن أن تكون قوية بما يكفي لإضعاف أو حتى عكس الرياح الغربية وتأرجحها إلى شرقية، عندها يحدث انضغاط للهواء في طبقة الستراتوسفير فيسخن، ويحدث الاحترار.

 

تأثير ظاهرة الاحترار الستراتوسفيري المفاجئ

بالرغم من حدوث ظاهرة الاحترار الستراتوسفيري المُفاجئ على ارتفاعات شاهقة، إلا أن تأثيرها يصل إلى الارتفاعات القريبة من سطح الأرض، لا سيما في تلك الطبقات التي تتحكم في الطقس وشكل الأنماط الجوية، بحيث ينجم عنها هروب للتيارات والكتل القطبية بعيداً عن موطنها الأصلي (وهو القطب الشمالي)، لتتوزع في مناطق نصف الكرة الشمالي بشكل عشوائي.

 

 وتكون بداية تأثيرات الاحترار الستراتوسفيري المفاجئ على ما يسمى بالدوّامة القطبية، والدوامة القطبية (Polar Vortex) هي منطقة للضغط الجوي المنخفض يدور فيها الهواء البارد، وتكون الدوامة القطبية مُتماسكة بوضعها الطبيعي فوق القطب الشمالي، لكن يتفرع لها أذرع على عدة مناطق، بحيث تكون مسؤولة بعد مشيئة الله على تطور المنخفضات الجوية العميقة خلال فصول الشتاء،  وتكون المصدر للمُنخفضات الجوية الشتوية بشقيها المُمطرة والمُثلجة على قارات ومناطق شمال الكرة الأرضية.

(صورة توضح الدوامة القطبية في حال الاستقرار، وفي حال امتداد الأذرع)

وهناك عدة طرق يؤثر بها الاحترار الستراتوسفيري المفاجئ على الدوامة القطبية، فقد يتسبب بانشطار الدوامة القطبية إلى قسمين منفصلين، وقد يتسبب بإضعافها بشكل كبير، وفي أحيان أخرى يكون تأثير الاحترار الستراتوسفيري المفاجئ ضعيف ومحدود على عموم الدوّامة القطبية.

 

ظاهرة الاحترار الستراتوسفيري المفاجئ تحدث بقوة هذا الشتاء

ما يحدث جراء الاحترار الستراتوسفيري المُفاجئ يؤثر أحياناً تأثيراً مُباشراً على الدوامة القطبية، وقد يؤدي إلى انشطارها إلى قسمين استناداً إلى مكان حدوث هذا الاحترار فوق الدائرة القطبية الشمالية، وفي شتاء هذا العام (2020/ 2021)  يُعتقد أن الاحترار الستراتوسفيري المفاجئ سيكون قوياً بما يكفي لانشطار هذه الدوامة القطبية إلى قسمين، بحيث يحدث تكدس كبير للبرودة القطبية الشديدة في شمال غرب قارة آسيا وعموم القارة الأوروبية، بحيث يتدفق تيار قطبي شديد إلى غربي القارة الأوروبي قبل أن  يندمج مع تيارات قطبية أخرى شديدة في شرق القارة الأوروبية و يتكدس هناك لفترة من الزمن.

 

بعد هذا الانشطار، تستقر هذه الكتل في مناطق ومواطن معينة وذلك بعد مرور عِدّة أسابيع تقريباً، فتحدد شكل أنماط الطقس لبقية فصل الشتاء وحتى نهايته، بحيث تصبح مناطق مُعنية معرضة لعواصف ومنخفضات ماطرة، ومناطق أخرى تكون مستقرة ودافئة.

 

 تأثير ظاهرة الاحترار الستراتوسفيري المفاجئ على دقة التنبؤات الجوية

تتأثر دقة نماذج تنبؤات الطقس الحاسوبية العالمية الخاصة بمحاكاة حركة الكتل الهوائية في الغلاف الجوي، وذلك خلال الفترة التي يحدث فيها الاحترار الستراتوسفيري المفاجئ بسبب ما ينجم عنه من توابع، ولعشوائية توزع الهواء القطبي، لكن تعود هذه النماذج للدقة المعتادة عندما تستقر الكتل الهوائية في مواطن محددة، والحديث هنا أكثر وبالخصوص عن نماذج تنبؤات الطقس الحاسوبية للفترات المُتوسطة والبعيدة.

 

آثار ظاهرة الاحترار الستراتوسفيري المفاجئ

تختلف آثار هذه الظاهرة من عام لآخر تِبعاً لعناصر ومؤشرات طقسية أخرى تكون سائدة في العالم وقت حدوث هذه الظاهرة، مثل درجات حرارة مسطحات المياه في نصف الكرة الشمالي أو مناطق المنخفضات الجوية والأنماط السائدة حينها، لكن يحاول دائماً خُبراء الطقس التكهن بكيفية تأثير الاحترار الستراتوسفيري المفاجئ على أنماط الطقس بعد حدوثها استناداً إلى ما سبق، وقد تصيب هذه التوقعات وقد تخطئ.

 

توقعات فريق طقس العرب لتأثير هذه الظاهرة خلال الشتاء الحالي على الوطن العربي

بالرغم من تأثير هذه الظاهرة مناخياً واحصائياً بتكدس برودة قطبية في غربي القارة الأوروبية، وأحياناً شرقي كندا وصولاً إلى شرق الولايات المُتحدة الأمريكية، إلا أنه يبدو هذه المرة أن تكدس البرودة القطبية سيحدث في شرق القارة الأوروبية في نهاية المطاف، وذلك بحسب ما تستشعره النمذجة الحاسوبية الخاصة بمُحاكاة الغلاف الجوي، لذلك فإن الوطن العربي سيتأثر بشكل مُباشر بتبِعات هذه الظاهرة.

 

حيث يُتوقع على إثر ذلك أن يكون توزيع الكتل الهوائية في الأيام الأولى التي تلي حدوث هذه الظاهرة (أي الأسبوعين الأولين من شهر يناير/ كانون ثاني 2021) أن يؤدي إلى تأثر مناطق شمال غرب القارة الأفريقية (المغرب العربي) بتتالي للمنخفضات الجوية القطبية الباردة و الُممطرة والمُثلجة، إضافة إلى غربي القارة الأوروبية، والتي يُتوقع  أن تشهد العديد من عواصمها مثل باريس و لندن و حتى مدريد جنوباً فُرصاً مُرتفعة لتساقط الثلوج عليها، يقابل ذلك تدفق تيارات دافئة إلى الأجزاء الغربية من المشرق العربي، وتشمل بلاد الشام بما فيها الأردن و مصر بالإضافة إلى ليبيا، وهذا بحسب توقعات مركز "طقس العرب" بأن تسود اجواء جافة و مُستقرة، و رُبما دافئة  في بعض الأوقات على غير العادة في هذه البُلدان في القسم الأول من شهر كانون ثاني/يناير للعام 2021، و في ذات الوقت و كتوابع  لذات الحالة تتدفق تيارات باردة من شمال القارة الآسيوية إلى الخليج العربي و أواسط وجنوب شبه الجزيرة العربية مُسببة هبوطاً مُعتبراً لدرجات الحرارة دون المُعدلات المُعتادة في تلك المناطق، قد تصل إلى الاقتراب من الصفر المئوي في جبال سلطنة عُمان الشاهقة.

 

بعد ذلك و بُعيد استقرار تِبعات هذا الانشطار للدوامة القطبية، فيُعتقد أن الهواء القطبي مُتعدد المصادر سيتكدس لفترة ليست بالقصيرة نواحي شرقي القارة الأوروبية، بل وذهبت بعض النمذجة الحاسوبية إلى توقع تمركز إحدى مركزي الدوامة القطبية هناك، الأمر الذي سيكون له تأثير مُباشر حينها على المشرق العربي، حيث يُتوقع تبدل الأنظمة الجوية وانعكاسها رُبما حرفياً بحيث تُصبح مناطق بلاد الشام، و شرقي البحر الأبيض المُتوسط والأجزاء الوسطى و الشمالية والغربية من الجزيرة العربية عُرضة لمنخفضات جوية ممطرة، و رُبما بعضها بارد بشكل كاف لإحداث تساقطات ثلجية على بعض المناطق، في حين يُتوقع ارتفاع درجات الحرارة و استقرار الطقس نسبياً في المغرب العربي كما و ترتفع درجات الحرارة نسبياً في جنوب شرق الجزيرة العربية.

 

ولكن بسبب وجود عوامل أخرى تدخل في التحكم في صياغة أنماط الطقس فإنه أيضاً يُتوقع أن يكون شكل النمط الجوي السائد في الفترة الأخيرة من الشهر مُعقداً ويتمثل بتكدس كبير للبرودة القطبية في شرقي القارة الأوروبية مع وجود دوامة قطبية قوية هناك، ولكن قد يفتقر النمط الجوي إلى وجود مرتفعات جوية قوية كافية تقع إلى الغرب من الدوامة القطبية، تكون قادرة على دفع جزء من هذه الكُتل الباردة في شرقي القارة الأوروبية إلى المشرق العربي، الأمر الذي يدفعنا إلى توقع سيادة أجواء شتوية طبيعية في الأسبوع الرابع من الشهر.

 وكمُلخص فإنه بات من حُكم المؤكد دفء غير اعتيادي في أجزاء واسعة من المشرق العربي في القسم الأول من الشهر، يقابله عودة لفصل الشتاء الطبيعي في القسم الثاني من الشهر، بينما يُعتقد أن الأمر سيكون على النقيض في المغرب العربي، حيث البرودة القطبية والمنخفضات في القسم الأول من الشهر وبقابله أجواء أكثر استقرارا ودِفأً في القسم الثاني من الشهر.

 

يمكن متابعة تفاصيل أكثر عن الحالة الجوية المتوقعة بالتفصيل لشهر كانون ثاني/يناير 2021 عبر النشرة الشهرية التي صدرت صباح اليوم من طقس العرب:

  • الأردن: من  هنا
  • السعودية: من هنا
  • الخليج العربي و الجزيرة العربية: من هنا
شاهد أيضاً
أخبار ذات صلة
ليبيا: مُنخفض جوي عميق يتمركز فوق إيطاليا فهل سيجلب المزيد من الأمطار الغزيرة للبلاد؟

ليبيا: مُنخفض جوي عميق يتمركز فوق إيطاليا فهل سيجلب المزيد من الأمطار الغزيرة للبلاد؟

الخليج العربي | امتداد تأثير الموجة الباردة للعديد من المناطق نهاية الأسبوع (انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة ونشاط كبير للرياح)

الخليج العربي | امتداد تأثير الموجة الباردة للعديد من المناطق نهاية الأسبوع (انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة ونشاط كبير للرياح)

تزايد فُرص تأثر المنطقة بكُتل هوائية أكثر برودة ترتفع معها فُرص تشكل المُنخفضات الجوية النصف الثاني من الشهر (تفاصيل)

تزايد فُرص تأثر المنطقة بكُتل هوائية أكثر برودة ترتفع معها فُرص تشكل المُنخفضات الجوية النصف الثاني من الشهر (تفاصيل)

عاصفة مطرية وكميات كبيرة من الأمطار تنتظرها جنوب القارة الأوروبية نهاية الأسبوع

عاصفة مطرية وكميات كبيرة من الأمطار تنتظرها جنوب القارة الأوروبية نهاية الأسبوع