صامدون كالزيتون... شجرة الزيتون وعلاقتها بالمطر

2023-11-14 2023-11-14T10:35:28Z
ندى ماهر عبدربه
ندى ماهر عبدربه
صانع مُحتوى

طقس العرب - في لحظة يتخللها هدوء الطبيعة ورونقها الفريد، تظهر شجرة الزيتون كرمز للصمود والثبات عبر العصور إنها شجرة لا تنحني أمام رياح الزمن، بل تظل صامدة كالزيتون، محافظة على جمالها الأخاذ وقوتها العجيبة، وفي هذا السياق، تبرز التفاصيل الرائعة لعلاقة الزيتون بالمطر كقصة فريدة من نوعها، ترويها قطرات الماء المباركة وأغصان هذه الشجرة العريقة.

إن تاريخ شجرة الزيتون يمتد لآلاف السنين، حيث استخدمها الإنسان منذ العصور القديمة لاستخراج الزيت الذهبي الثمين، وفي هذا السياق، يظهر الزيتون كمرفأ آمن للثروة والغذاء، ولكن أيضاً كشاهد على العلاقة الفريدة بين هذه الشجرة السامية والمطر.

وفي تلك الأرض الطيبة، حيث يلتقي التاريخ بالثقافة، وتتعانق الأشجار بأغصان الصمود، تتأرجح فلسطين بين أحضان الحضارة وجمال الطبيعة وهنا، تطل شجرة الزيتون كشاهدة على قصة الصمود العظيمة، حيث تتراقص ورقاتها بلغة الأمل، وأغصانها تحكي حكاية فلسطين بكل أطيافها.

"صامدون كالزيتون"، عنوان ينبض بروح الصمود والثبات، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتراب هذه الأرض المباركة والزيتون، ليس مجرد شجرة، بل هو رمز للصمود والتحدي، يستمد قوته من أعماق الأرض الفلسطينية؛ حيث إنها قصة تحكي عن كيف يمكن للطبيعة أن تكون شاهدة على تاريخ طويل من المقاومة والتصدي.

في هذه القصة القصيرة، نأخذ لمحة سريعة إلى عالم يعيش فيه الزيتون بكل ألوانه وأشكاله، وكيف يعكس جماله وصموده جمال وصمود فلسطين، وإن "صامدون كالزيتون" هو لحن يرفرف برفق في أفق فلسطين، يروي عن عزيمة شعب يرفع رأسه للسماء، مستلهمًا قوته من جذوره العميقة في هذه الأرض الطيبة.

 

شجرة الزيتون وحباتها المتلألئة

إنها شجرة تبقى دائماً خضراء، تعزف لحن الحياة على أوتار فصول السنة، فتبدي نضارتها في أشعة الشمس الحارقة، وتحتفظ بجمالها في زمن البرودة القارسة حيث تكتسب شجرة الزيتون هويتها الحقيقية في السنة الخامسة من عمرها، وتقدم للعالم أول ثمارها، وتصل إلى قمة إنتاجها السخي في سنوات الأربعين، ولكن جمالها وعطاءها لا ينتهيان هنا؛ فتظل تحتفظ برونقها الأخضر لمئات السنين بعد ذلك.

إنها شجرة لا تلتفت لعواصف الرياح، وتقف بشموخ أمام تحدّيات النار وقسوة الأمطار، ويبدو أنها تحتل مكانة فريدة، حيث لا تهاب شيئًا سوى قساوة البرد الشديد، ويتجاوز ارتفاعها في طبيعتها البرية الـ 12 إلى 14 مترًا، لكن يمكن أن يتم تقليمها في الزراعة ليصل ارتفاعها إلى 5-8 أمتار

إنها شجرة الزيتون، وصمودها يحكي قصة القوة التي تنبع من جذورها العميقة، وجمالها يرقى إلى فنون الطبيعة الساحرة.

 

لماذا تسمى بتير الفلسطينية بيت الطير؟

 

غصن الزيتون

غصن الزيتون، تحفة طبيعية تتلألأ في عرش الرموز، تنطلق من جذور تاريخنا القديم لتمتزج بروح الحضارات المتعاقبة، وتحتل شجرة الزيتون مكانةً جليلةً في قلوب البشر، حيث كانت ترفع غصنها المشتعل أولمبيًا، إشارةً إلى بداية النصر والتفوق، ولم يكن زيت الزيتون محدودًا بدوره في المطبخ فقط، بل كان يمسح به جسد الرياضيين الأوائل، وأوراقها كانت ترتبط برمز النصر.

وغصن الزيتون لم يكن فقط رمزًا للقوة، بل أيضًا شاهدًا على السلام والحكمة والوفاق والوئام عبر العصور، وفي عالمنا الحديث، يرتبط هذا الغصن بفكرة السلام، حيث تستمر آثارها في جميع أنحاء العالم، ويعود جذر هذه الفكرة إلى عادات اليونان القديمة، حيث كانوا يدعون للآلهة، ويحتفلون بالملوك باستخدامه ومن هنا، وانتقلت هذه الفكرة لتصبح جزءًا لا يتجزأ من ثقافات حوض البحر الأبيض المتوسط، لتترسخ فيها بعمق، ومن ثم أصبحت هذه الرمزية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالسلام في عديد من ثقافات العالم الحديث.

وفي مجال زراعة الزيتون، تحتفظ اليونان الحالية بإرث كبير، حيث تعد ثالث أكبر منتج للزيتون في العالم، بعد إسبانيا وإيطاليا، وتستمر في رواية قصة هذا الغصن السامي بكل فخر وتفان.

 

 

صامدون كالزيتون

شجرة الزيتون، أيقونة تصمد في وجه محاولات اقتلاع الذاكرة ومحو التاريخ في أرض فلسطين حيث تتوسط قرية الولجا في بيت لحم، أكبر وأقدم شجرة زيتون، تنبت في أحضانها حكايا الصمود والتاريخ، ويبلغ حجمها إلى 25 مترًا، بينما يعلو ارتفاعها إلى حوالي 13 مترًا، وتمتد ظلالها لتغطي ربع دنم من الأرض، ويتجاوز إنتاجها من الزيتون ما بين 500 إلى 600 كيلوغرام.

وفي هذه القرية، تكمن أصول الزيتون، وتمتد جذورها العميقة، وفي حمايتها يقف صلاح أبو علي، حارسها، الذي يرى في هذه الشجرة أكثر من مجرد نبتة، ويؤكد أبو علي أن هذه الشجرة العريقة تعتبر جزءًا من عائلته، ويصف ارتباطه بها بارتباط الروح بالجسد، معتبرًا إياها رمزًا حي للمقاومة.

وتأتي أهمية هذه الشجرة بشدة ارتباطها بتاريخ الفلسطينيين، حيث يقدَّر عمرها بنحو 5500 سنة، وتحمل بين أغصانها تفاصيل حياة عريقة، وتقع هذه الشجرة على بُعد أمتار قليلة من السياج الفاصل، الجدار الذي جرى بناؤه وسط أراضي فلسطين، وفي ظل هذا الشجر العظيم، تشكل الأمل والصمود، وتصبح رمزًا للمقاومة.

والمدير العام للإرشاد في وزارة الزراعة الفلسطينية، صلاح الدين يوسف البابا، يُسلط الضوء على أهمية الزيتون، الذي يحمل تاريخًا تراثيًا ودينيًا، ويعبر عن السلام والصمود والتحدي، وفي وقت تكون أشجار الزيتون هدفًا للاعتداءات تظل الوزارة تنظم برامج لإعادة زراعة هذه الأراضي المهددة بالمصادرة، ويُوزع أكثر من 150 ألف شجرة سنويًا على المزارعين، وتُقام مهرجانات زراعية تحمل رسالة التحدي والصمود.

 

 

رموز الزمن الطويل... أشجار الزيتون القديمة تحمل شهادات آلاف السنين

تعد شجرة الزيتون الواقعة في قرية اللوجة في محافظة بيت لحم في فلسطين من بين أقدم أشجار الزيتون في العالم وخبراء يابانيين قدرُوا عمرها بنحو 5 آلاف عام، جعلها -وفقًا للسجلات- أقدم شجرة زيتون حية على وجه الأرض، وتعتبر هذه الشجرة ليس فقط محطة زمنية، بل رمزًا حيًّا للتاريخ والنبات والعلم في آن واحد.

وتنتج هذه الشجرة الرمزية كمية مميزة من الزيتون، حوالي 500 كيلوغرام في الموسم الواحد، ويُعتبر زيتها من أجود الأنواع. لدرجة أن وزارة الزراعة الفلسطينية اختارت حارسًا خاصًا لحمايتها، نظرًا لقيمتها التاريخية والنباتية والعلمية.

وفي أرض البرتغال، تُضيء شجرة الزيتون في شبه جزيرة إيبار بعمر يتجاوز 3000 عام، فيما قد تصل بعض أشجار الزيتون في لبنان، التي تُشكل بستان "أخوات نوح"، إلى عمر يتجاوز 4000 إلى 5000 سنة.

التراث الزيتون في تركيا لا يقل قدمًا، فببلدة كيركا أغاش جنوب تركيا، نجد شجرة زيتون تبلغ 1656 عامًا، ويرجح بعض الخبراء أن عمرها الحقيقي قد يتخطى 2018 سنة.

أما الأردن، فيعتبر مجالاً تنتشر فيه أشجار الزيتون المعمرة. وتفيد بعض الدراسات العلمية أن الأردن مهد نشأة أحد أنواع شجر الزيتون، وذلك منذ الحقبة الرومانية للمنطقة.

 

 

شجرة الزيتون وعلاقتها بالمطر

تمثل "شتوة الزيتون" حدثًا مهمًا في تقويم الحياة في فلسطين، حيث يترقب مزارعو الزيتون هذه الزخات المطرية التي تُعرف أيضًا بـ"شتوة الزيتون"، حيث يعتبرونها إشارة خضراء لبداية موسم قطاف الزيتون.

وفي العرف الفلسطيني، يكتسب موسم الزيتون أهمية خاصة، حيث يعتبر الزيت والزيتون ركيزة أساسية في الحياة اليومية، ويظهر هذا الاعتبار في الأمثال الشعبية مثل "الزيت عماد البيت". ويبدأ التحضير لموسم الزيتون قبل نضج الثمار بعدة أشهر، حيث يتوقع المزارعون ميعاد النضج باستناد إلى مراحل الأزهار والظروف الجوية خلال فصل الصيف.

ومع تأخر المطر هذا العام وظروف المناخ غير المعتادة، وُجد المزارعون في وضع حرج، حيث يجمعون بين خيارين صعبين. بعضهم اضطر إلى بدء القطاف دون انتظار المطر، في حين ينتظر البعض الآخر بفارغ الصبر، مترقبين تحقق التوقعات بنزول المطر فالمزارعون يُفضلون قطاف الزيتون بعد هطول المطر، حيث يُسهل هذا الأمر عليهم عملية القطاف، ويساهم في تنظيف الأشجار من الغبار.

وحمزة العقرباوي، الباحث في التراث الشعبي الفلسطيني، يسلط الضوء على أهمية موسم الزيتون في حياة المزارعين الفلسطينيين، حيث يُعتبر "أبو المواسم"، وذلك نظرًا لأهمية الزيت والزيتون في الحياة اليومية، ويُشير إلى أن هناك طقوسًا خاصة لهذا الموسم، يتوقف فيه المزارعون على توقيتات وعلامات محددة، منها "شتوة الزيتون".

وفي نصف شهر أيلول، يبدأ المزارعون في انتظار "شتوة الزيتون"، والتي تُشير إلى الأمطار التي قد تحدث في هذا الوقت،   ويُعتبر ذلك بداية التحضير للقطاف، حيث يُراقب المزارعون تساقط المطر، وينتظرون الوقت المناسب للقطاف.

ورغم أهمية انتظار "شتوة الزيتون"، يُشير رامز عبيد، مدير دائرة الزيتون في وزارة الزراعة، إلى أنه ينبغي التركيز على موعد نضج الزيتون لقطافه، وليس الاعتماد الكامل على نزول المطر

 

اعرف أيضا:

الرابط العجيب بين شتوة تشرين وأشجار الزيتون

جذورنا في أراضي فلسطين...أشجار الزيتون من أقدم سكان فلسطين

 


المصادر:

aljazeera

alaraby

wafa

شاهد أيضاً
أخبار ذات صلة
ما هو سر اختيار الملابس للتكيف مع تقلبات الطقس؟

ما هو سر اختيار الملابس للتكيف مع تقلبات الطقس؟

زيت الزيتون: تاريخه ومكانته الفريدة عبر العصور

زيت الزيتون: تاريخه ومكانته الفريدة عبر العصور

الأردن - تحديث جوي | اقتراب سُحب ماطرة من شمال المملكة وفرص الأمطار تمتد تدريجيًا لبعض المناطق الوسطى خلال الساعات القادمة

الأردن - تحديث جوي | اقتراب سُحب ماطرة من شمال المملكة وفرص الأمطار تمتد تدريجيًا لبعض المناطق الوسطى خلال الساعات القادمة

غـ.زة | سُحب ممطرة تقترب من القطاع فجر اليوم وتزايد فُرص الأمطار خلال الساعة القادمة

غـ.زة | سُحب ممطرة تقترب من القطاع فجر اليوم وتزايد فُرص الأمطار خلال الساعة القادمة