كيف يمكن لـ"أكياس من التراب" أن تساعد في مواجهة تغير المناخ

2023-10-13 2023-10-13T18:32:30Z
ندى ماهر عبدربه
ندى ماهر عبدربه
صانعة مُحتوى

طقس العرب - تتزايد التحديات المرتبطة بتغير المناخ بشكل متسارع، وتتطلب حلاً إبداعيًا وفعالاً للمساهمة في تقليل الانبعاثات الكربونية وتحسين صحة البيئة، وفي هذا السياق، تظهر الفكرة الجديدة لاستخدام "أكياس من التراب" كأداة مبتكرة للتصدي لتحديات تغير المناخ فما هي قصة هذه الأكياس؟ وكيف سوف تكون أحد الحلول لمشكلة تغير المناخ؟

 

أكياس من التراب 

انطلق فريق من العلماء في شاحنة صغيرة رمادية اللون في أستانا، كازاخستان، في وقت سابق من هذا العام، متجهين مئات الأميال غربًا عبر السهول الكازاخستانية، في تلك المنطقة الشاسعة التي تتميز بسهول مفتوحة لا نهاية لها من العشب ومزارع مهجورة ومروج مليئة بالأزهار، والتي تعتبر من المناطق الشبه قاحلة، ولكن بمجرد أن ننزل تحت الأرض لبضع بوصات فقط، يُمكن أن نجد أحد أكثر الأنظمة البيئية تنوعًا للفطريات على وجه الأرض.

في معظم مناطق العالم، تنمو هياكل فطرية رفيعة حيث تتشابك تحت الأرض بشكل وثيق، وهذه الهياكل تربط مكونات البيئة معًا، وعندما تتجمع هذه الفطريات الخيطية تحت الأرض، فإنها تشكل أنظمة متطورة معروفة باسم "شبكات الميكوريزا". والسهوب الكازاخستانية، التي تمتد من شمال بحر قزوين إلى جبال ألتاي، تُعتبر واحدة من أكبر السهوب الجافة في العالم، ويتوقع أنها تحتوي على تنوع كبير من الفطريات الخيطية ومع تغير المنطقة تدريجيًا إلى "شبه صحراء"، وقد تتعرض العديد من هذه الفطريات لخطر الزوال.

أشار جاستن ستيوارت، الباحث في البيئة التطورية الذي أشرف على مهمة رسم الخرائط، إلى وجود حد زمني لهذه المهمة بنسبة 100%. وقال:

"إذا قمنا بأخذ عينة من التربة وهي بالفعل تحولت إلى صحراء، فسيكون قد فاتنا الكثير من التنوع البيولوجي."

 

تُعد مهمة كازاخستان جزءًا من مشروع عالمي يقوده اتحاد حماية الشبكات تحت الأرض (SPUN)، وهي منظمة بحثية تعمل على رسم خرائط للفطريات تحت الأرض، ويهدف المشروع إلى جمع عينات من التربة في 10,000 منطقة تعتبر مناطق حيوية للتنوع البيولوجي في جميع أنحاء العالم، بهدف فهم الأنواع الموجودة وأماكن تواجدها على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

 

 

علاقة أكياس التراب الصغيرة بتغير المناخ

استخدم الفريق خريطة تنبؤية معتمدة على آلاف الملاحظات والبيانات البيئية لتحديد هذه المناطق، وأظهرت هذه الخريطة أهمية السهوب الكازاخستانية؛ بسبب تنوع أنظمتها البيئية الواسعة، ويعتقد العلماء أن الفهم الأعمق للفطريات التي تعيش تحت هذه الظروف البيئية القاسية قد يساعد على التعرف على كيفية تكيف هذه الأنظمة الفطرية مع تغير المناخ، بما في ذلك انتشار الجفاف والحرائق والتصحر.

للقيام بهذه المهمة، قام الباحثون بتحديد ثلاث مناطق في السهوب، وفي كل منطقة لديها مناخ مختلف بدأوا في الصحاري الجنوبية، وانتقلوا غربًا إلى منطقة تحتوي على مروج شاسعة وأراضي زراعية وثم انتهوا شمالًا بالقرب من الحدود الروسية، حيث دخلوا النظام البيئي للغابات.

في كل موقع، قاموا بجمع العشرات من العينات باستخدام شبكة قياسية، ثم حفروا أنبوبًا في الأرض لاستخراج عينات التربة وتخزينها في أكياس بلاستيكية لاحقة حيث يمكن لهذه العينات أن تساهم في الكشف عن أسرار تساعد على احتجاز المزيد من ثاني أكسيد الكربون واستعادة صحة التربة والأشجار والنباتات والحياة الحيوانية المعتمدة على هذا النظام البيئي.

 

 

الأراضي الجافة

في هذا الجزء من الرحلة، وجد العلماء أنفسهم في منطقة مفتوحة جنوب أستانا؛ حيث إن الأرض هنا صلبة وجافة، مع شقوق عميقة تمتد في التربة، ويسيطر حيوان المرموط على المكان، حيث يندمج مع الحقول، وينمو بين النباتات المتبقية وهناك بحيرة صغيرة في وسط الحقل، ولكن انحسرت بشكل واضح بسبب أشعة الشمس الحارقة.

ووصف جاستن ستيوارت هذه الأرض بأنها "شديدة الجفاف". بدأ بإدخال أنبوب معدني في التربة لاستخراج عينات منها، ثم سحب الأنبوب للخارج وثم حاول وضع الأرض في كيس بلاستيكي باستخدام الجزء الخلفي من المطرقة، لكنه واجه صعوبة في ذلك. وقال:

"من الصعب بالفعل سحب التربة من هنا".

 

 

علاقة الفطريات مع النباتات ودورها في نقل الكربون تحت الأرض

بشكل عام، تشكل الفطريات علاقات تعاونية متبادلة مع النباتات، فهي تتفاعل على نحو إيجابي مع النباتات من خلال تبادل العناصر الغذائية الأساسية مثل الفوسفور والنيتروجين بمقابل الكربون، وتوفر أنظمة جذورها المتطورة، وتساعد النباتات في الوصول إلى المياه والموارد التي قد لا تتاح لها بشكل طبيعي.

ووفقًا لدراسة نُشرت في يونيو، يمكن أن تكون هذه الشبكات مفيدة أيضًا في نقل الكربون تحت الأرض حيث يُقدر أن حوالي 13 جيجا طن من الكربون، الذي تثبته النباتات، وينتقل عبر الفطريات الموجودة تحت الأرض؛ حيث إنه يعادل حوالي ثلث إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الوقود الأحفوري في عام واحد، وتلك الفطريات تعتبر أداة أساسية في هذا النقل البيئي، وذلك وفقًا لتحليل يشمل ما يقرب من 200 مجموعة من البيانات.

ومع ذلك، يجب ملاحظة أن هذه الفوائد النباتية الفطرية قد تكون مؤقتة في المناطق الجافة على سبيل المثال، رغم أن الصحارى جزء طبيعي من النظام البيئي في كازاخستان، إلا أن أكثر من نصف الغطاء النباتي والأراضي الجافة في البلاد مهددة بالتحول إلى صحراء وهناك عوامل رئيسية تشمل:

  • الزراعة المكثفة.
  • ارتفاع درجات الحرارة.
  • الجفاف المتزايد نتيجة لتغير المناخ.

هذه المشكلة ليست محصورة في كازاخستان فقط، بل تمتد أيضًا إلى مناطق أخرى في آسيا الوسطى، مثل أوزبكستان وقيرغيزستان وشمال غرب الصين ومنذ الثمانينيات، انتقلت الصحارى شمالًا بما يقرب من 100 كيلومتر، وقاد الدراسة ستيف هو، أستاذ علوم الأرض والغلاف الجوي بجامعة نبراسكا في لينكولن، وأشار إلى أن هذه المناطق ستشهد المزيد من الجفاف المتكرر وارتفاع درجات الحرارة.

 

 

المراعي

ومع اتجاه الحافلة الصغيرة نحو الشمال الغربي في اتجاه مدينة كوستاناي، التي تقع على بعد نحو 100 ميل إلى الجنوب من الحدود الروسية، تظهر المناظر الطبيعية الشاسعة بألوانها الأحمر الطيني حقول العشب والتي تمتد بلا نهاية، وتجوب قطعان الخيول هذه المناطق بحرية، بينما تحلق النسور في السماء بحثًا عن فريستها.

لمئات السنين، كانت السهوب موطنًا للرعاة البدو ورحلهم. وفي الخمسينيات، في فترة حكم الاتحاد السوفيتي، دعت الحكومة آلاف الشبان المتطوعين لزراعة أكبر كميات ممكنة من المحاصيل بهدف التخفيف من نقص الغذاء، وكان هذا الجهد الضخم معروفًا باسم حملة الأراضي العذراء.

تم حرث الحقول على نطاق واسع، مما أدى إلى تدهور التربة، وبعد ذلك تم التخلي عنها لعدم إنتاجها ووفقًا لكلام اليونا كوشكينا، الباحثة في جمعية الحفاظ على التنوع البيولوجي في كازاخستان، والتي تعتبر مجموعة حماية وطنية:

"هذا الأمر كان له تأثير سلبي على الغطاء النباتي وأنواع السهوب، حيث أصبح الجزء الشمالي منها مجزأً بشكل كبير."

إلى جانب ذلك، الزراعة أسهمت في تدمير شبكات الفطريات عن طريق استخدامها لاستنزاف التربة من موارد عناصرها الغذائية، ويأمل الباحثون أن تساعدهم العينات المأخوذة هنا في الحصول على مزيد من المعرفة حول أنواع الفطريات التي تستطيع البقاء في مثل هذه الظروف غير المواتية، ومقارنتها بالمواقع الأخرى مثل الغابات والمروج.

 

عبر مرور السنوات، كان للحقول فرصة للتعافي ببطء، لكنها تواجه تحديات جديدة؛ حيث إنه  من عام 2021، تعمل الحكومة الكازاخستانية على مشروع سوف يستمر تسع سنوات لتعزيز قطاع الثروة الحيوانية في السهوب.

وأشارت كوشكينا إلى أن رعي الأراضي العشبية يمكن أن يسهم في تعزيز هذه النظم البيئية، ولكن الرعي الجائر قد يزيد مخاطر التصحر، وأوضحت وقالت إن استعادة السهوب يعني إعادة عقارب الساعة إلى الوراء إلى عصر ما قبل الاتحاد السوفيتي، عندما كانت المنطقة هادئة إلى حد كبير.

بالنسبة لبعض الأشخاص، يعني ذلك استعادة وجود حيوانات مفترسة كالذئاب والفهود التي كانت موجودة في المنطقة، والتي كانت تصطاد ظباء السايغا المحلية، ولكن بالنسبة لآخرين، مثل جينيفيف ستيفنز، مسؤولة مشروع الجمعية الملكية لحماية الطيور، فإن عملية الترميم لا تتعلق بالعودة إلى الماضي بقدر ما تتعلق بضمان تلبية مهام بيئية محددة في المنطقة، مثل إدخال حياة برية جديدة بعناية أو تقديم الرعاية للمراعي.

وفي كلتا الحالتين، يتفق أنصار الحفاظ على البيئة على أن صحة النباتات الواقعة أعلى سطح الأرض مرتبطة بشكل حثي بصحة التنوع البيولوجي تحت الأرض وهكذا، تلعب الفطريات دورًا حاسمًا في تحديد مستقبل السهوب.

 

استكشاف إمكانية استخدام التلقيح الفطري لتحسين الأنظمة البيئية في السهوب المتدهورة

تقدم دراسة فطريات السهوب فرصة للعلماء لاختبار إمكانية انتشارها في بيئات مماثلة، ومن بين الأساليب المحتملة للاختبار  التلقيح، حيث يمكن نقل الفطريات من السهوب الأصلية إلى مكان آخر لاختبار تأثيرها في جودة التربة كما أشار مارك داي، رئيس برنامج المحافظة على السهوب الكازاخستانية في منظمة RSPB، وهي منظمة خيرية متخصصة في الحفاظ على البيئة مقرها المملكة المتحدة.

وهذا النهج يثير تساؤلًا مهمًا: هل يمكن استخدام التلقيح الفطري لتعزيز استعادة الأنظمة البيئية في الأراضي العشبية السهوب المتدهورة؟

حتى الآن، تم إجراء دراسات تجريبية صغيرة، وكانت النتائج متباينة بالإضافة إلى ذلك، ليس واضحًا ما إذا كان بإمكان هذا النهج أن يتوسع لاحقًا في السهوب الكازاخستانية؛ نظرًا لحجمها الضخم وأهميتها البيئية وبسبب ذلك، يجدر بالباحثين القيام بالمزيد من الدراسات بهذا الصدد.

وفي ختام رحلتهم، يلاحظ الباحثون أن الأرض لا تزال قاحلة، ولكن تظهر سجادة سميكة من عشب الريش تمتد حتى ركبتيهم. وعندما تشرق الشمس وتبدأ بالغروب، يُضيء الجزء العلوي من الأعشاب بتألق ساحر، وتكتسي الأشجار الصنوبرية المنطقة بجمالها، بينما يحلق البعوض والذباب والجنادب الصغيرة في السماء، وتبين أن هذه المنطقة من السهوب ليست صحراوية، بل هي جميلة للغاية.

 

 

أهمية الفطريات في توفير المياه للنباتات في الأراضي الجافة وتحديات تغير المناخ

أظهرت الدراسات أن الفطريات تؤدي دورًا في مساعدة النباتات على الحصول على المياه في الأراضي الجافة من خلال شبكاتها تحت الأرض، وعلى الرغم من عدم وضوح مصير الفطريات في ظل درجات الحرارة القاسية المتزايدة، إلا أن الخبراء يعتقدون أن الكثير منها قد يواجه الخطر.

سابقًا، أشارت خبيرة الفطريات في الجامعة السويدية للعلوم الزراعية، كارينا إنغلبريخت كليمينسن، إلى أن خرائط الفطريات التي تجري الأبحاث حولها ستكون مفيدة، ولكن الطريقة التي سيتم بها استخدام هذه البيانات لمواجهة تغير المناخ لا تزال غير واضحة.

 

 

اعرف أيضا:

هل الهندسة الجيولوجية يمكن أن تسهم في وضع حل لتغير المناخ؟

التغير المُناخي يُهدد 40% من البرمائيات بالانقراض

 


المصادر:

washingtonpost

alhurra

alwatannews

شاهد أيضاً
أخبار ذات صلة
مرصد كوبرنيكوس: نوفمبر 2024 ثاني أكثر شهر نوفمبر دفئًا على الإطلاق

مرصد كوبرنيكوس: نوفمبر 2024 ثاني أكثر شهر نوفمبر دفئًا على الإطلاق

السعودية تطلق مبادرة رائدة لمكافحة الجفاف في "كوب 16" الرياض لتسريع وتيرة العمل العالمي

السعودية تطلق مبادرة رائدة لمكافحة الجفاف في "كوب 16" الرياض لتسريع وتيرة العمل العالمي

مرصد الزلازل : لم يسجل أي هزة أرضية في الأردن

مرصد الزلازل : لم يسجل أي هزة أرضية في الأردن

الأردن | الأداء المطري حتى تاريخه هو الأضعف منذ عقود في المملكة

الأردن | الأداء المطري حتى تاريخه هو الأضعف منذ عقود في المملكة