طقس العرب - تُعتبر الأعاصير من أكثر الظواهر الجويّة تدميراً على كوكب الأرض، برياحها العاتية وأمطارها الشديدة، فغالباً ما يترافق ذكرها بذكر كلمات مثل "ضحايا" أو "خسائر ماديّة"، وقد يستغرب البعض، بأن البحر الأبيض المتوسط بالذات، يشهد في بعض السنوات، تشكُل حالات جوية شبه استوائية، تُشبه في خصائصها وشكلها الأعاصير، فما هي الأعاصير المُتوسطية.
إعصار مُتوسطي شبيه بالإستوائي (Mediterranean tropical-like cyclone) وغالباَ ما يشار إليه بالاختصار Medicane وهي لفظة من (Mediterranean hurricanes) أي الأعاصير المُتوسطية، هي ظاهرة جوية (عاصفة) شبيهة بالإعصار المداري أو الإستوائي تظهر فوق منطقة البحر الأبيض المتوسط، في بعض الحالات النادرة وصلت قوة العاصفة إلى قوة إعصار من الدرجة الأولى، لكن حتى في مثل هذه الحالات لا تتعبر قوة الرياح هي العامل الأخطر على المجتمع، بل يتمثل الخطر الرئيس في الأمطار الغزيرة والفيضانات المفاجئة.
وتم التعرّف على هذه الظاهرة الجوية وتحديدها في منطقة حوض البحر المتوسط في ثمانينيات القرن العشرين، وذلك بالاستعانة بالتغطية الواسعة النطاق للأقمار الصناعية والتي أظهرت ضغوطاً جوية مُنخفضة (شبيهة بالاستوائية) تسببت بتشكل عين إعصارية في وسطها، وبناءً على ذلك تبيّن أن هذه الظاهرة الجوية ليست نادرة بشكل خاص بل تكررت خلال السنوات السابقة.
نادراً ما تتطور العواصف في البحر الأبيض المتوسط إلى أعاصير شبه استوائية بسبب الضحالة النسبية لمياه البحر، والمناخ الجاف المحيط به، فالبحر الأبيض المتوسط عبارة عن جسم مائي محاط بالكامل تقريبًا باليابسة، حيث تقع أوروبا في شماله وإفريقيا في جنوبه، ويتصل بالمحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق.
تتكون الأعاصير المتوسطية الشبيهة بالاستوائية في الغالب فوق غرب ووسط البحر الأبيض المتوسط، ويمكن أن تتشكل هذه العواصف على مدار السنة، لكنها تبلغ ذروتها في فصل الخريف تحديداً في شهري اكتوبر ونوفمبر، وقد تم تشبيهها بالاستوائية لأنها تنمو خارج المناطق الاستوائية.
أكثر ما يميز الأعاصير المُتوسطية هي عين الإعصار التي تظهر بوضوح في صور الاقمار الاصطناعية، ويكون قلب العاصفة دافئاً، وتختلف الأعاصير شبه الاستوائية عن الأعاصير الاستوائية بأن سرعة الرياح وقوتها أقل، كما أن قطرها أقل.
يمكن للأعاصير المتوسطية أن تسبب فيضانات وسيول مفاجئة، بسبب الهطول الغزير للأمطار، والرياح العاتية التي تعمل على اضطراب البحر وارتفاع الموج، ولا يقتصر تأثيرها على الاضرار المادية فقط، فقد تخلف هذه الأعاصير ضحايا بشرية ففي 18 نوفمبر 2017م ضربت عاصفة متوسطية اليونان، والتي أطلق عليها معهد الأرصاد الجوية بجامعة برلين اسم "نوما"، مما تسبب في فيضانات مفاجئة، وقتل 20 شخصًا، وألحقت أضرارًا بأكثر من 1000 منزل.
لعلّ أوضح الأمثلة على هذه الظاهرة، هو ما حدث في منتصف شهر يناير/كانون الثاني من العام 1995، حينما تشكّل إعصار في وسط البحر المتوسط، في المنطقة البحرية بين إيطاليا واليونان وليبيا.
قُصة هذا الإعصار بدأت يوم 13-1-1995، وذلك بوجود حالة اضطراب جوي شمال ليبيا، مع امتداد الحمل الحراري المُرافق لهُ من تونس جنوباً وحتى اليونان وألبانيا شمالاً، وفي اليوم التالي، أصبحت حالة الاضطراب الجوي أكثر تنظيماً، فاتخذت السُحُب حركةً دورانيّة واضحة، ليتشكّل مُنخفضٌ جوي سُرعان ما فصل نفسه عن الكتلة الهوائية الباردة شمالاً، ليكتسب خصائص استوائية.
وفي يوم 15-1-1995، مرّت إحدى البواخر الألمانية بالقُرب من المُنخفض الجوي، وحينها حذّر الطاقم من أن السفينة تتعرّض لرياح عاتية تزيد سُرعتها عن 140 كيلومتر بالساعة، وضغط جوي مُنخفض بلغ 975 ملليبار، وهو ما يُعادل قوّة الرياح في إعصار من الدرجة الأولى.
وخلال ساعات الظهيرة من ذلك اليوم، ظهر مركز العاصفة على شكل "عين" واضحة المعالم، ما أكّد أن ما تشكّل في ذلك اليوم هو إعصار بكُل ما تحمله الكلمة من معنى.
تُعتبر الكُتل الهوائية الباردة القادمة من الشمال العامل الأساسي في تشكُل مثل هذه الأنظمة الجوية، حيثُ يعمل تقابل هذا الهواء البارد لدى التقائه مع الهواء الرطب والدافئ القادم من الجنوب على تشكُل المنخفضات الجبهية، بالتزامن مع دفء مياه البحر إلى أكثر من 20 درجة مئوية، بالإضافة إلى وجود أحوال جوية شديدة الاضطراب.
وفي حال توافرت جميع الظروف الجوية أعلاه، فإن الشرط الوحيد المُتبقي هو إنفصال المُنخفض الجوي المُتشكل عن الكتلة الباردة بالشمال، واكتسابه لخصائص استوائية كافية، وهذا الأمر لا يحدُث إلا بشكل نادر جداً.
تطبيق طقس العرب
حمل التطبيق لتصلك تنبيهات الطقس أولاً بأول