هل تحذر النباتات بعضها البعض عندما تكون في خطر؟

2023-10-23 2023-10-23T14:32:04Z
ندى ماهر عبدربه
ندى ماهر عبدربه
صانعة مُحتوى

طقس العرب - يبدو أن تحذير النباتات لبعضها البعض شبيهة بمشهد خيالي من أحد الأفلام، حيث يبدأ العدو بالهجوم على شجرة، ولكن الشجرة تتصدى له، وترسل رسالة تحذير لترد عليها الأشجار القريبة، وتقوم بإقامة مجموعة دفاعات خاصة بها، لتتمكن من حماية الغابة

والجدير بالذكر أنه ليس هناك حاجة إلى السحر في عالم الواقعي لإحداث هذا المشهد، إذ يمكن للأشجار الحقيقية على كوكبنا أن تتواصل وتحذر بعضها البعض من المخاطر، وقد كشفت دراسة حديثة عن كيفية عمل ذلك.

 

كيف تحذر الأشجار بعضها البعض عندما تكون في خطر؟

تبين أن النباتات المصابة تطلق مركبات كيميائية محددة، والتي يمكن أن تتسلل إلى الأنسجة الصحية للنباتات الأخرى، وتنشط آليات الدفاع داخلها، وهذا الفهم الأعمق للعملية يمكن أن يساعد العلماء والمزارعين في تعزيز مناعة النباتات ضد هجمات الحشرات أو التصحر قبل حدوثها بوقت كاف.

ماساتسوجو تويوتا، الباحث الرئيسي لهذه الدراسة، التي نُشرت في مجلة Nature Communications، أشار إلى أن هذه الدراسة تعد الأولى من نوعها، والتي تسلط الضوء على إمكانية "التواصل بين النباتات". وأضاف قائلاً:

"ربما سيكون بإمكاننا الاستفادة من هذا النظام لتنبيه النباتات بأكملها وتفعيل ردود أفعال متعددة لمواجهة تهديدات مستقبلية أو تغيرات بيئية، مثل نقص المياه".

 

وفي الثمانينات، بدأت فكرة أشجار "التواصل" تترسخ في الوعي البيئي حيث أجرى اثنان من علماء البيئة تجربة تجمع بين مئات من اليرقات وديدان الويب وأغصان أشجار الصفصاف وجار الماء لرصد استجابة الأشجار، واكتشفوا أن الأشجار التي كانت في خطر بدأت في إفراز مركبات كيميائية تجعل أوراقها لا تجذب الحشرات، ويصعب عليها هضمها، وذلك كوسيلة لردع هجماتها.

 

تواصل الأشجار وتبادل الدفاعات الكيميائية عن بعد

لكن الجانب الأكثر إثارة للفضول هو اكتشاف العلماء أشجارًا سليمة من النوع نفسه، تقع بعيدًا عن الأشجار المتضررة بمسافة تتراوح بين 30 و40 مترًا، دون أن يكون لها جذور متصلة بالأشجار المتضررة ومع ذلك، كانت هذه الأشجار تفرز نفس الدفاعات الكيميائية استعدادًا لصد هجمات الحشرات، وتوصل العلماء حينئذ إلى نتائج مماثلة عند دراستهم لأشجار القيقب والحور التالفة.

وهذه الفرق البحثية المبكرة كانت لديها فكرة ناشئة حيث أن الأشجار ترسل إشارات كيميائية لبعضها البعض عبر الهواء، وهو ما يُعرف اليوم باسم "التنصت النباتي". وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، لاحظ العلماء هذا التواصل من خلية نباتية إلى أخرى في أكثر من 30 نوعًا من النباتات، بما في ذلك فول الليما والتبغ والطماطم وفرشاة المريمية والنباتات المزهرة في عائلة الخردل. ومع ذلك، لم يكن هناك فهم واضح حول المركبات الحيوية المسؤولة وكيفية اكتشافها حتى الآن.

أندريه كيسلر، الخبير في علم بيئة النبات الذي لم يشارك في هذا البحث، أشار إلى أهمية هذا الاكتشاف قائلاً:

"كان هناك نوع من الجدل في هذا المجال أولاً، كيف يتم امتصاص تلك المركبات بشكل عام من قبل النبات، ومن ثم كيف تؤدي إلى تغيير عملية التمثيل الغذائي للنبات بناءً على الإشارات التي تم اكتشافها".

 

 

لغة النباتات... كيف تتفاعل وتتواصل مع عالمها المحيط؟

على الرغم من عدم وجود أذنين أو عيون لدى النباتات للتواصل مثل البشر، إلا أن الأبحاث السابقة كشفت عن قدرتها على التفاعل مع العالم من حولها من خلال إطلاق مواد كيميائية تعرف باسم "المركبات العضوية المتطايرة"، والتي يمكننا شمها وبشكل مشابه لكيفية تحدث البشر بوساطة اللغة، تستخدم النباتات مجموعة متنوعة من هذه المركبات لأغراض مختلفة. بعضها يستخدم لجذب الملقحات، بينما يعمل البعض الآخر كوسيلة للدفاع ضد الكائنات المفترسة.

ومن بين هذه المركبات، هناك فئة معينة تنبعث عندما يتعرض النبات للإصابة، وهي المواد المتطايرة ذات الأوراق الخضراء. يتم إنتاج هذه المركبات، كما يشير الاسم، من قبل معظم النباتات الخضراء التي تحمل أوراقًا، وتكون قائمة عند تعرض النبات لأي أذى مادي، ومن أمثلتها الرائحة اللطيفة التي تنبعث من العشب الطازج.

 

استجابة النباتات

في البحث الجديد، أجرى تويوتا وفريقه سلسلة من التجارب حيث قاموا بسحق الأوراق يدويًا، ووضعوا اليرقات على نبات الخردل الأرابيدوبسيس ونباتات الطماطم بهدف تحفيز انبعاث مجموعة من المواد المتطايرة ذات الأوراق الخضراء وثم قاموا برش الأبخرة الناتجة على النباتات السليمة لفحص تفاعلها.

لتتبع ردود النباتات السليمة، أجرى الفريق تعديلات وراثية على هذه النباتات لجعل أيونات الكالسيوم تعطي إشارات عند تفاعلها داخل الخلايا الفردية، وتلعب إشارات الكالسيوم دورًا مهمًا في الوظائف الخلوية لمعظم الكائنات الحية على الأرض، بما في ذلك البشر، وعندما تتلقى الخلايا العصبية إشارة كهربائية، تُفتح القنوات الأيونية، وتسمح للكالسيوم بالتدفق إلى الداخل. وهذه الزيادة في الكالسيوم يمكن أن تؤدي إلى إطلاق النواقل العصبية، مما يؤدي إلى تقلص العضلات في الخلايا العضلية.

وأكدت تويوتا أن إشارات الكالسيوم تؤدي دورًا مشابهًا في النباتات وحسب نوع النبات، يمكن لإشارات الكالسيوم أن تسهم في إرسال رسائل تؤدي إلى إغلاق أوراق النبات أو حتى هضم الحشرات.

بعد الاختبارات المتعددة للمواد المتطايرة ذات الأوراق الخضراء، توصل الفريق إلى اكتشاف أن اثنين فقط من هذه المواد يبدو أنها تزيد إشارات الكالسيوم داخل الخلايا، وكشفوا أيضًا عن زيادة في إشارات الكالسيوم لأول مرة في الخلايا الحارسة التي تشكل مسام أوراق النبات، المعروفة بالثغور وهذا الاكتشاف يعتبر مهمًا، حيث يظهر أن هذه المركبات يمكن أن تتسلل إلى الأنسجة الداخلية للنبات.

 

 

كيف يمكن لإشارات الكالسيوم تعزيز الدفاعات ضد الحشرات؟

وفقًا لكيسلر، الأستاذ في جامعة كورنيل،

"تلك المواد لا يمكنها  التسرب بسهولة عبر سطح النبات". "يجب عليها المرور عبر الثغور، التي تسمح للنبات باستنشاق ثاني أكسيد الكربون وإخراج الأكسجين لتنفيذ عملية التمثيل الضوئي."

تقول تويوتا إن إشارات الكالسيوم تشبه مفتاحًا لتفعيل الاستجابات الدفاعية في النبات، وبعد زيادة الإشارة، اكتشف الفريق أن النبات يزيد إنتاج تعبيرات جينية معينة للحماية، وعلى سبيل المثال، يمكن للنبات أن يبدأ في إنتاج بروتينات معينة تمنع الحشرات من مضغ الأوراق، مما يؤدي إلى إضعاف الحشرات.

توضح تويوتا:

"إذا كانت لديك نباتات تحتوي على الكثير من هذه الجينات، فإنها تصبح قوية للغاية ضد الحشرات العاشبة".

 

مع هذا التفهم الجديد، يقول الباحثون إنه يمكن تحصين النباتات ضد التهديدات والضغوط قبل حدوثها، وهو ما يشبه منح النباتات "لقاحًا" وعلى سبيل المثال، يمكن تعريض النباتات السليمة لنباتات مصابة بالحشرات أو المواد المتطايرة ذات الأوراق الخضراء المتصلة بها لتعزيز دفاعاتها الوراثية، مما يقلل من حاجة المزارعين لاستخدام المبيدات الحشرية وقد يساهم هذا الاكتشاف أيضًا في جعل النباتات أكثر مرونة أثناء فترات الجفاف، مما يسمح للنباتات بالاحتفاظ بكميات إضافية من المياه.

 

تكييف النباتات مع التحديات البيئية

كيسلر أشار إلى أنه عند تعرض النباتات للجفاف في وقت مبكر من حياتها، فإنها تكون أكثر قدرة على التعامل مع هذا التحدي بشكل أفضل مقارنة بالنباتات التي لم تتعرض للجفاف، وهذا الأمر يرتبط بتغير كامل في عملية التمثيل الغذائي للنبات، وفي هذا السياق، تقوم النباتات بتكييف أنفسها لمواجهة الظروف البيئية القاسية وتطوير استجابات مختلفة لمواجهة التحديات.

وفي سياق دراستها للنباتات، أجرت تويوتا أبحاثًا تتضمن زراعة العديد من البذور لأغراض البحث المستقبلي، ومن بين الأمور الغامضة التي تمت مراقبتها في هذه الدراسة هي الأسباب وراء دخول اثنين فقط من المواد المتطايرة ذات الأوراق الخضراء إلى الثغور وتحفيز إشارات الكالسيوم والخطوة التالية في هذا البحث تشمل تحديد المستقبلات المختلفة في النباتات التي قد تكون مرتبطة بالتركيب الكيميائي للمركبين المذكورين.

وتجدر الإشارة إلى أن النباتات تظهر أيضًا استجابات محددة تجاه هجمات الحشرات، وهذا يعني أنها تتعامل بشكل مختلف حسب أنواع الحيوانات العاشبة التي تتغذى عليها، وهذا السلوك يُعد مثيرًا للإعجاب، ويتم دراسته بعمق من قبل كيسلر وفريقه.

بإيجاز، يشير كيسلر إلى أن قدرة النباتات على التكيف مع التحديات المحيطة بها وتطوير استجابات متنوعة تُعبر عن نوع من الذكاء في عالم النباتات ودراسته لهذه الأمور تساهم في فهمنا لكيفية تفاعل النباتات مع البيئة وتكييفها مع التغيرات.

 

اعرف أيضا:

نصف الأدوية المستقبلية مهددة بالانقراض

أصغر نبات مزهر على الأرض قد يصبح غذاءً ومصدرًا للأكسجين لرواد الفضاء

 

 


المصادر:

washingtonpost

 

 

شاهد أيضاً
أخبار ذات صلة
زيت الزيتون: تاريخه ومكانته الفريدة عبر العصور

زيت الزيتون: تاريخه ومكانته الفريدة عبر العصور

الأردن | أنواع زيت الزيتون في لواء الكورة

الأردن | أنواع زيت الزيتون في لواء الكورة

مرصد الزلازل : لم يسجل أي هزة أرضية في الأردن

مرصد الزلازل : لم يسجل أي هزة أرضية في الأردن

الأردن | الأداء المطري حتى تاريخه هو الأضعف منذ عقود في المملكة

الأردن | الأداء المطري حتى تاريخه هو الأضعف منذ عقود في المملكة