موقعArabiaweather.com - تتأثر المملكة العربية السُعودية بين الحين و الآخر بموجاتٍ كثيفة من الغبار تؤثر سلباً على مظاهر الحياة، فما أن تبدأ العواصف الرملية بالتأثير على منطقة بعينها حتى يُعلن عن تعليق الدراسة فيها، وتُصاب وسائل النقل بحالة من الشلل نتيجة التدني الكبير الذي قد يصل إلى حد الإنعدام في مدى الرؤية الأفقية، و تمتلئ أقسام الطوارئ بمرضى الجهاز التنفسي و العيون الذين يتأثرون سلباً بالغبار.
أيضاً لا يُمكننا إغفال الخسائر المادية التي تُخلفها موجات الغبار و العواصف الرملية على القطاعات الإقتصادية، كقطاع الطيران الذي يتكبد خسائر مالية فادحة جراء إلغاء و تعليق الكثير من الرحلات الجوية المحلية و الدولية.
د.المسند: المملكة قائمة على بحر من الرمال
الدكتور عبدالله المسند في تصريح له لـ "صحيفة الرياض" أوضح بعض الأسباب التي تسهم في كثرة هبوب العواصف الترابية أو الرملية على المنطقة، قائلاً بأن المملكة في موقع فلكي يصنف مناخياً أنه مداري جاف معظم السنة، وأمطاره قليلة شحيحة تسقط شتاءً بشكل متقطع وغير منتظم، ويصل متوسط الأمطار في معظم المناطق تقريبا إلى (100 ملم) سنوياً، حيث يتبخر جله ويتسرب في جوف الأرض بعضه، كما تحيط بالمراكز الحضرية بحار الرمال الواسعة الشاسعة المتصلة حيث تشكل بحار الرمال حوالي ثلث مساحة المملكة (800.000 كم2)، إلى جانب أنّ التربة السطحية في معظم مناطق المملكة والدول المجاورة مفككة وجافة وشبه خالية من المصدات الطبيعية من النباتات البرية بسبب الرعي والاحتطاب الجائر، بالإضافة إلى وقوع صحراء الحجارة جنوب العراق وبادية الشام غربه وهما مسطحان واسعان قاحلان بهما تربة مفككة جراء الظروف المناخية الجافة، ما جعل التربة قابلة للتحرك عند بلوغ سرعة الرياح أدنى درجتها الحرجة.
ولفت المسند إلى أنّ موسم العواصف في شهر مارس على وجه التقريب وتمتد في فصل الربيع ويكون تركيزها في شهري أبريل ومايو، مشيرا إلى أنّ سبب نشأتها -بإذن الله تعالى– هو مرور المنخفضات الجوية الحركية المتوسطية شمال المملكة عابرة بلاد الشام من الغرب باتجاه الشرق، تصحبها جبهة هوائية باردة مندفعة تتحرك غالباً باتجاه الجنوب الشرقي تثير الغبار والعواصف الغبارية وتتوقف شدة العاصفة على عمق المنخفض الجوي الذي يؤثر تبعاً على سرعة الجبهة الباردة، وتتحرك جزيئات الغبار عندما تبلغ سرعة الرياح الأفقية (20 كم) في الساعة فأكثر، مؤكّداً على أن معظم العواصف الغبارية تنشأ عندما تبلغ سرعة الرياح الأفقية أكثر من (35 كم) في الساعة، وكشف المسند، عن دراسة سابقة قام بإعدادها دلت إحصائياتها على أن متوسط عدد أيام الغبار المسجلة خلال 20 إلى 40 سنة ماضية على سبيل المثال في الأحساء (89) يوماً في السنة، أما في القيصومة (70) يوماً، وفي حفر الباطن (63) يوماً، فيما تبلغ عدد أيام الغبار في رفحاء (60) يوماً، أما في الرياض فبلغ عددها (55) يوماً في السنة.
مركز أبحاث التغير المناخي
وذكر د. منصور المزروعي -مدير مركز التميز لأبحاث التغير المناخي ورئيس قسم الأرصاد في جامعة الملك عبدالعزيز- أنّ المملكة تعاقبت عليها في السنوات الأخيرة العديد من العواصف الرملية والترابية أدت إلى انخفاض مستويات الرؤية لبعض الحالات نحو الصفر؛ مما أدى إلى حصول أضرار اقتصادية، وصحية، وبيئية، إلى جانب تعطل النواحي التعليمية، سواء في المدارس أو الجامعات، مؤكّداً أنّ كثرة حدوث العواصف الترابية أمر أثقل كاهل الباحثين في مجال الأرصاد الجوية للبحث عن الأسباب وكيفية التنبؤ بها في وقت كاف؛ مما يسمح لهم التحذير مبكراً عن حدوثها لكي تأخذ الجهات ذات العلاقة الاحتياطيات اللازمة للتكيف معها والتخفيف من آثارها، ومن أجل مجابهة الآثار الضارة لتلك العواصف الترابية.
وأضاف أنّ مركز التميز لأبحاث التغير المناخي بجامعة الملك عبدالعزيز وضع ضمن خططه الإستراتيجية دراسة الأسباب التي تقف خلف زيادة حدة هذه العواصف الترابية بأنواعها المختلفة ومدى تغيرها -بإذن الله- مستقبلا وذلك من خلال استخدام تقنيات حاسوبية فائقة الأداء، مشيرا إلى أن المركز يقوم حاليا باستخدام سوبر كمبيوتر (عزيز) الذي يعد ضمن أسرع أجهزة المحاكاة الحاسوبية بالمنطقة، لمحاكاة حالات الغبار ديناميكيا باستخدام نماذج توقعات الطقس والمناخ سواء المحدودة المساحة أو عالمية النطاق لعمل توقعات يومية أو شهرية أو موسمية مما يساهم في إمكانية توفر إنذار مبكر لهذه العواصف الترابية وظواهر الطقس الحاد المختلفة.
جفاف الطبقة السطحية للأرض في منطقة الخليج
واعتبر د. ناصر سرحان -أستاذ الأرصاد الجوية المساعد بكلية الملك فيصل الجوية والباحث في شؤون الأرصاد الجوية وعلوم البيئة- أنّه لا يمكن السيطرة الكاملة على العواصف الرملية وسحب الغبار، ولا يمكن التحكم بقوتها في العديد من المناطق الجغرافية، خاصة الواقعة قرب الصحاري الشرق أوسطية والأفريقية ووسط آسيا، مشيراً إلى أنّ العواصف الرملية من الأمور الشائعة في المملكة نظراً لأنّ أغلب مساحتها من الصحاري الممتدة، إلى جانب جفاف الطبقة السطحية بفعل قلة الأمطار، كما أن الفروقات الحرارية الأفقية بين منطقة وسط المملكة وشمالها، وخاصة في فصلي الشتاء والربيع، تدرج سريع في قيم الضغط الجوي، فينتج نشاط للرياح السطحية التي تحمل الغبار وتثيره في اتجاه منطقة وسط المملكة مع التيارات الشمالية والشمالية الشرقية.
وأشار إلى أنّه من الطبيعي أن يثار الغبار في اتجاه المدينة، مقترحاً عدداً من الإجراءات الوقائية الفعالة للمناطق الأكثر تعرضاً للعواصف الرملية منها معالجة الجفاف ومنع زحف الصحاري والحد من قطع الأشجار، إلى جانب تحويل بعض الأراضي الصالحة للزراعة إلى غابات أو مروج خضراء بالإضافة إلى بناء أحزمة خضراء واقية في مواجهة العواصف الرملية، وكذلك التعديل صناعياً بإنشاء حواجز رملية في مواجهة الرياح المسببة للعواصف الرملية للتقليل من خطر زحف الرمال والتصحر.
قلة الغطاء النباتي ودورها بزيادة حدة العواصف الرملية
وأوضح د. إبراهيم الأحيدب -أستاذ الجغرافيا المناخية والبيئية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-أنّ الرياح والعواصف التي تهب على المملكة لا تنشأ في أجواء المملكة فقط، بل تأتي من وسط أسيا مرورا بالعراق والأردن والمناطق المجاورة لها، ومن ثم تعبر أجواء المملكة، وهي مناطق جافة تماما قليلة الأمطار والغطاء النباتي، فيزداد جفاف الرياح وسرعتها وقدرتها على حمل المزيد من الأتربة والرمال، كما تهب على المملكة عواصف ترابية ورملية منشأها صحراء سيناء وكذلك شمال إفريقيا وهي منطقة صحراوية يسودها الجفاف وقلة الغطاء النباتي وندرته، لافتاً إلى أنّ منطقة الشرق الأوسط ومنها المملكة من المناطق التي تكثر فيها العواصف الترابية والغبارية والرملية في الماضي وكذلك الحاضر والمستقبل.
وأضاف أنّ المناخ هو العامل الأساسي لحدوث العواصف الترابية، خاصة قلة الأمطار وارتفاع الحرارة وما ينتج عنها من قلة الغطاء النباتي كالأشجار والشجيرات والأعشاب، إلى جانب جفاف التربة وتفككها ما يسهل على الرياح نقل مفتتاتها إلى أماكن أخرى، تبعد عن أماكنها الأصلية آلاف الكيلو مترات، مبيّناً أنّ الإنسان من العوامل الذي له دور في زيادة كمية الأتربة والغبار، نتيجة ما يقوم به من أنشطة وفعاليات له أثر إيجابي وسلبي على البيئة الجوية والمائية والأرضية بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأشار إلى أنّ العواصف الغبارية لا يمكن منعها، لكن يمكن الحد قليلاً من آثارها الجوية والأرضية على نطاق محدود المساحة، ومن ذلك وضع الأنظمة والقوانين البيئية الصارمة التي تهدف إلى حماية البيئية الطبيعية في المملكة، إلى جانب زراعة الأشجار بالقرب من المدن والقرى، وتشجير الشوارع، بالإضافة إلى الاستفادة من المياه السطحية غير الصالحة للشرب ومن مياه الصرف المعالجة، وكذلك منع الاحتطاب ومنع تحويل المناطق الزراعية والرعوية إلى مناطق سكنية ونحوها، ونشر بذور مناسبة في المناطق الرعوية للبيئة الصحراوية تكتفي بالقليل من مياه الأمطار ورطوبة الجو في الليل والصباح الباكر.
القضية تحتاج لجهود إقليمية للحد من هذه الظاهرة الطبيعية
أوضح د. عبدالله المسند أنّ كثرة العواصف الغبارية قد يكون بسبب التنمية التي لا تأخذ بحساباتها الحفاظ على البيئة ونظامها ومقوماتها الطبيعية، حيث ساهمت وتساهم في تفكيك التربة وتعريتها من نباتاتها عبر مناشط الإنسان المختلفة، كما يلعب الرعي الجائر دوراً عظيماً في السنوات الأخيرة، مبيّناً أنّ الأمر يتطلب عملاً إقليمياً من دول الشرق الأوسط كافة، وذلك في إعادة النظر في التعاطي مع البيئة ومكوناتها ومحاولة إعادة تأهيل المنطقة، بزراعة الصحاري بملايين الأشجار، وفق تقنية حديثة تنسجم مع البيئة الصحراوية، شحيحة الأمطار والفقيرة في مقدراتها المائية والجافة مناخياً.
الأشغال العمرانية «شمالي الرياض».. سبب!
أوضح د. ناصر سرحان في تعليقه على الظاهرة أنّ من أسبابها عبور المنخفضات الجوية نهاية فصل الشتاء إلى شهر مايو فوق حوض البحر الأبيض المتوسط إلى شمال شرق المملكة مروراً فوق أجواء كبيرة من شمال المملكة، وبسبب فيزياء وميكانيكية تحرك هذه المنخفضات الجبهات الباردة وميكانيكيتها، وما يصاحبها من تبريد قوي في طبقات الجو العليا، فتسبب هبوط الهواء البارد بقوة نتيجة زيادة كثافته، ومن ثم تنتقل هذه الموجة الباردة بشكل مندفع نحو الصحاري الجافة، فتثير في طريقها الغبار والرمال وتحملها على هيئة سحب من الغبار يصل تأثيرها إلى منطقة الرياض، وكذلك بسبب التطور والانتشار المعماري والإنشاءات المعمارية الضخمة في مدينة الرياض وضواحيها وبقية مدن المملكة، لكون منطقة شمال الرياض وشمال غربيها منطقة أشغال لكثير من الإنشاءات العملاقة، التي تتأثر بنشاط الرياح الشمالية.
l'application de météo arabe
Téléchargez l'application pour recevoir des notifications météo et plus encore