رموز فلسطين...دلالات عناصر الكوفية

2023-11-15 2023-11-15T19:21:08Z
ندى ماهر عبدربه
ندى ماهر عبدربه
صانعة مُحتوى

طقس العرب - على سفح تلة في قلب مدينة الخليل، تعمل 16 آلة نسيج بكامل قوتها الإنتاجية في المصنع الوحيد بالضفة الغربية الذي يختص في إنتاج الكوفية الفلسطينية المتنوعة بألوانها وتعود البداية إلى عام 1961 عندما قام والد عزت حرباوي، صاحب مصنع حرباي لنسج الكوفية، بجلب ماكينتين من سوريا، بحلول عام 1964، ومع مرور الزمن نمت الأعمال لتشمل 16 آلة نسيج.

في حديثه لوكالة "رويترز"، قال عزت:

"لدينا اليوم 300 طراز من الكوفية ننسجها من 70 لونًا مختلفًا من الخيوط التي نستوردها من الهند".

 

تُعتبر الكوفية الفلسطينية، ذات اللونين الأبيض والأسود، رمزًا للنضال الفلسطيني وجزءًا لا يتجزأ من تراث الشعب الفلسطيني وتاريخه حيث يشير مركز المعلومات الوطني الفلسطيني إلى أن 16 نوفمبر يُعتبر يومًا وطنيًا للكوفية الفلسطينية، حيث يرتدي الطلاب والمعلمون والموظفون الكوفية، ويرفعون الأعلام الوطنية، وينشدون الأغاني الوطنية والشعبية، تأكيدًا لارتباط هذه الكوفية بثورة عام 1936 ضد الانتداب حيث قال عنها الكاتب الفلسطيني محمود درويش معبراً عن أهميتها كرمز وطني:

 

 سجل أنا عربي، ولون الشعر فحمي ولون العين بنيّ وميزاتي على رأسي عقالٌ فوق كوفية"

 

 

كيف بدأت قصة الكوفية؟

في أحد المشاهد في مسلسل "التغريبة الفلسطينية"، كان أبو صالح يترقب بفارغ الصبر أخبارًا حول صمود فوزي، أحد الثوار، أمام التعذيب الذي تعرض له بعد اعتقاله خلال إحدى عمليات الثورة الفلسطينية الكبرى في الفترة بين 1936 و1939، ورغم أن الأخبار كانت إيجابية بخصوص صمود فوزي ورفضه الاعتراف تحت وطأة التعذيب، إلا أنها جلبت معها مشكلة كبيرة.

حيث قامت القوات الأمنية البريطانية باعتقال رجل مدني؛ بسبب ارتدائه الحطة والعقال، حيث اشتبهوا به باعتباره أحد الثوار الذين اعتمدوا ارتداء الحطة السوداء والبيضاء حينئذ.

من خلال هذا المشهد التاريخي في مسلسل "التغريبة الفلسطينية"، ينطلق سرد الحكاية، حيث تتطور قصة الكوفية وارتباطها بفلسطين خلال الثورة الفلسطينية الكبرى، وعندما أصدرت بريطانيا توصية بتقسيم فلسطين في عام 1936، وأعلنت حكومة الانتداب البريطاني عن نيتها إقامة دولة يهودية، اندلعت الثورة الفلسطينية، وكانت القرى معقل الثوار الرئيسي؛ بسبب تمركز المقاومة فيها.

حينئذ، كان المقاومون في القرى يستخدمون الحطة لإخفاء هويتهم، وفي استجابة لهذه الاستراتيجية، اعتمد الاستعمار البريطاني استراتيجية عسكرية تستهدف الأشخاص الذين يرتدون الحطة، وكانت الحطة وقتها تعتبر رمزاً لكل قادة الثورة الفلسطينية.

وفي ظل هذه الأحداث، أصدرت القيادة العسكرية للثورة قرارًا يفرض على الشباب ارتداء الكوفية والعقال كعلامة تضامن مع الثوار، وذلك لتعقيد مهمة البريطانيين في التمييز بين الفدائيين وغيرهم، وأصبحت الكوفية رمزًا للتضامن الشعبي مع الحركة الثورية والمقاومة ضد الاستعمار، وتم توثيق هذه الفترة في المسلسل "التغريبة الفلسطينية" من خلال حوار الحكيم الذي يخفي هويته عن طريق الحطة.

 

الكوفية والقمح والزيتون وخلايا النحل

يُقال إن للخياطة السوداء المميزة على الكوفية الفلسطينية العديد من المعاني الرمزية، ورغم عدم التحقق من أي منها، إلا أن الفلسطينيين يملكون تفسيرات متعددة.

يعتقد البعض أنها ترمز إلى "شبكة الصيد، أو خلية النحل، أو ضم الأيدي، أو حتى علامات التراب والعرق الممسوحة من جبين العامل". بينما يروج آخرون لفكرة أن التصميم يُمثِّل سنابل القمح، في إشارة إلى أريحا، إحدى أبرز المدن المعروفة بزراعة الحبوب.

وتؤكد الكاتبة الفلسطينية سوزان أبو الهوى لموقع Middle East Eye أن التصاميم على الكوفية

"تعبِّر عن شريان الحياة الفلسطيني، بالطريقة نفسها التي تكون فيها تصاميم التطريز لغةً في حد ذاتها، إذ تحكي قصصاً عن الموقع والنسب والمناسبة والمغزى التاريخي".

 

وتُشير الخياطة السوداء في بعض الأحيان إلى تمثيل خلية العسل، اعترافًا بدور مربي النحل في المنطقة، ويؤكد بعض السوريين في المناطق الريفية أن النقش يُمثِّل ضم الأيدي وعلامات العرق الممسوح من جبين العامل.

وفي تفسير آخر حديث، يُعتبر التصميم تمثيلاً لأشجار الزيتون في فلسطين، حيث يُظهر "القوة والمرونة" ويكرّم هذا الرمز الزراعي الهام في تاريخ المنطقة.

وتوضح سوزان أبو الهوى أن الزيتون، بجميع أشكاله -زيت الزيتون ومنتجات زيت الزيتون وخشب الزيتون- كانت جوانب مهمة للغاية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية للطهي الفلسطيني.

وتضيف أن أشجار الزيتون لم توفر فقط وسيلة للرزق والدخل، ولكن العناية بالأشجار وموسم الحصاد جسدت أحداثًا اجتماعية ووطنية مهمة في مجتمعها والزيتون حاضر في شعرهم وأغانيهم وتطريزاتهم وطعامهم وتقاليدهم العائلية وأخيرًا، تشير الأطراف الطويلة في الكوفية إلى طرق التجارة التي استوردت وصدرت المنتجات من وإلى فلسطين.

 

 

تاريخ وأنماط الكوفية

يُعتقد أن الكوفية صُنِعت في الأصل من الصوف قبل إدخال القطن من الهند ومصر، ولا تزال الكوفية - التي تُسمّى أيضًا الشماغ في الأردن وسوريا، والغترة في دول الخليج - عربية بشكل واضح، ولكنها لا ترتبط بدين معين، ويرتديها المسيحيون العرب والمسلمون والدروز والعلمانيون في جميع أنحاء المنطقة بألوان وتصاميم مختلفة.

في حين أن الكوفية الفلسطينية والسورية لا تزال باللونين الأسود والأبيض، إلا أن البعض الآخر له أنماطه الخاصة، وتفضل دول الخليج مثل البحرين والإمارات العربية المتحدة وقطر الغترة البيضاء البسيطة، وهي ملابس قطنية خفيفة نظيفة تعمل كحاجز للحرارة على مدار العام.

وفي أشهر الشتاء الباردة، تحل الأغطية الثقيلة ذات الظلال الداكنة والهادئة محل أغطية الرأس الصيفية، وعادة ما توضع الكوفية على الرأس، وتُثبت بعقال أسود، وقد يختار الرجال الأصغر سنًا لف الغترة بأسلوب العمامة المعروف باسم الحمدانية.

 

في ختام هذه الرحلة المليئة بالتاريخ والتراث، يظهر لنا أن الكوفية أكثر من مجرد قطعة قماش؛ حيث إنها رمز حي للهوية والصمود، تحمل في خيوطها تفاصيل عميقة عن تاريخ فلسطين وتراثها إنها ليست مجرد قطعة قماش تُلف حول الرأس، بل هي لغة تحكي قصة شعب، تعبر عن مقاومته وتضامنه، وأنها دليل على استمرارية الفلسطينيين في الحفاظ على هويتهم، رغم التحديات والصعاب، وفي كل خيط من خيوطها، تتجسد روح فلسطين وعزيمتها.

 

اعرف أيضا:

صامدون كالزيتون... شجرة الزيتون وعلاقتها بالمطر

الشتوة الأولى... هل تؤثر على جودة وطعم زيت الزيتون؟

 


المصادر:

aljazeera

independentarabia

arabicpost

شاهد أيضاً
أخبار ذات صلة
كيف نحمي أنفسنا وأطفالنا من الاستخدام الخاطئ لوسائل التدفئة المنزلية

كيف نحمي أنفسنا وأطفالنا من الاستخدام الخاطئ لوسائل التدفئة المنزلية

9 نصائح للتعامل مع الأجواء الباردة لطلاب المدارس والجامعات

9 نصائح للتعامل مع الأجواء الباردة لطلاب المدارس والجامعات

مرصد الزلازل : لم يسجل أي هزة أرضية في الأردن

مرصد الزلازل : لم يسجل أي هزة أرضية في الأردن

الأردن | الأداء المطري حتى تاريخه هو الأضعف منذ عقود في المملكة

الأردن | الأداء المطري حتى تاريخه هو الأضعف منذ عقود في المملكة