طقس العرب - بينما يتعامل العالم مع مجموعة من الأزمات البيئية، يبدو أن الاستجابات المتنوعة التي ظهرت على مدى النصف الأخير من القرن الماضي قد أخفقت بشكل كبير. حيث تشير أبحاث حديثة إلى أن الأولوية الآن يجب أن تكون في معالجة الجذر الحقيقي لهذه الأزمات، وهو سلوكياتنا التي تفتقر إلى القدرة على التكيف. وقد عمل العلماء على مدى على الأقل خمسة عقود، على فهم وتوثيق كيفية تجاوز احتياجات البشر للقدرة على تجديد الأرض، مما أدى إلى ما يعرف بـ "التجاوز البيئي".
ربما كانت تلك التحذيرات حول التهديدات المحتملة ناتجة عن التجاوز، بما في ذلك تغير المناخ، ساذجة بعض الشيء. إذ افترض الباحثون أن الناس والحكومات سيستجيبون بشكل منطقي للتهديدات الوجودية من خلال تغيير سلوكياتهم بشكل جذري.
في السبعينيات، قدم باحثون شبان نماذج الكمبيوتر لحدود النمو وأظهروا بشكل واضح ما قد يحدث خلال القرن المقبل إذا استمر النمو الاقتصادي بالطريقة التقليدية. وتنبأت نماذجهم بالكوارث البيئية والاجتماعية التي نشهدها اليوم. حيث اعتقدوا أنه وبمجرد أن يرى الناس نتائج هذا البحث، سيفهمون المسار الذي كان العالم يسلكه وسيقلصون استهلاكهم بناءً على ذلك. ولكن بدلاً من ذلك، وجدوا أن عملهم تم رفضه واستمر العالم كما هو من قبل.
على مر العقود الخمسة الماضية، شهدنا عددًا لا يُحصى من التقارير والخطب والبيانات التي تتسم بحدة في تنبؤاتها، ولكن لم تطرأ تغييرات كبيرة على مسار النمو الاقتصادي. وفي عام 1992، تم نشر أول تحذير عالمي للبشرية عبر رسالة مفتوحة وقعها مئات العلماء، وأوضحوا بالتفصيل كيف تؤدي الأنشطة البشرية إلى الأذى البيئي. ثم جاء تحذير آخر في عام 2017 ووقع عليه آلاف العلماء، وجاء فيه بشكل واضح:
"إذا لم يتحرك العالم في القريب العاجل، فسيكون هناك خسائر كارثية في التنوع البيولوجي ومستويات لا تُحصى من البؤس البشري."
وفي بحث أُجري بالتعاون بين مايك جوي، الباحث الكبير في معهد دراسات الحوكمة والسياسات تي هيرينغا واكا – جامعة فيكتوريا في ولنجتون، وفيبي بارنارد، المؤسس والرئيس التنفيذي لتحالف الكوكب المستقر، وهما أيضًا باحثان في جامعة واشنطن ومبادرة الكوكب المستقر، بالإضافة إلى معهد فيتزباتريك بجامعة كيب تاون.
كشف أن العديد من العلماء العاملين في مجال العلوم الطبيعية شعروا بأنه يتعين عليهم بذل قصارى جهدهم لمنع ظهور هذا "المستقبل المروع". حتى وضع الباحثون إطارًا للإجراءات التي يجب أن يتخذها العالم لتفادي هذا المستقبل، وتشمل هذه الإجراءات التخطيط السكاني وتقليل استهلاك الأفراد للوقود الأحفوري واللحوم وغيرها من الموارد. ومع ذلك، فقد تم تحقيق القليل فقط من التغييرات الجوهرية على أرض الواقع.
وباستخدام منهجية جديدة، يُسلِط البحث الضوء على نقاط التدخل ويوضح الجذور السلوكية للتجاوز البيئي. وشارك في هذا البحث متخصصون في تغيير السلوك من مجال صناعة التسويق، وهم جزء من مبادرة تغيير السلوك في مجال صحة الإنسان والكوكب. يُظهر البحث الإحصائيات بوضوح، حيث يُفصح أن الأغنياء الـ 16% من البشر مسؤولون عن 74% من الاستهلاك الزائد واستخدام الموارد. ويعكس هذا الواقع أزمة السلوك البشري، ويعزو ذلك إلى الخيارات الفردية التي تشمل اكتساب الموارد، والتبذير، وتراكم الثروة والمكانة. قد تكون بعض هذه الخيارات مجديّة في الماضي التطوري للإنسان، ولكن في الاقتصاد العالمي الحديث، أصبحت هذه السلوكيات غير قابلة للتكيف وتشكل تهديدًا لجميع الأشكال المعقدة للحياة على كوكب الأرض.
أشار الباحثان إلى أن التدابير الحالية المتعلقة بتغير المناخ، والتي تُعَدُّ مجرد عرضٍ لإحدى تداعيات التجاوز البيئي، تفشل في السيطرة على الانبعاثات بفعالية. فقد وصلت الانبعاثات العالمية لثاني أكسيد الكربون في العام الماضي إلى مستوى مرتفع جديد، وجزءًا من السبب وراء ذلك يعود إلى الارتفاع في حركة السفر الجوي بعد تداعيات جائحة كوفيد-19.
وفي هذا السياق، يرى الباحثان أن محاولة حل مشكلة متزايدة باستخدام حلول بطيئة في حقيقة الأمر يُشكل جزءًا من المشكلة. وبدلاً من ذلك، يجب أن نتناول الأسباب الجذرية للتجاوز البيئي والدوافع وراء هذا السلوك، وأن نُركِّز على تغييرها بدلاً من تفريق جهودنا على إصلاح الأعراض المتعددة.
يُعتبر "الحل" الحالي لمواجهة تغير المناخ من خلال التحول الكامل إلى أنظمة الطاقة المتجددة أحد الأمثلة، حيث يتم استبدال نوع واحد من الطاقة بآخر، ولكنه لا يعالج الطلب المتزايد على الطاقة الذي ساهم في التجاوز البيئي بالأساس. وتعتبر هذه التدخلات تدريجية ومُرهقة للموارد، وبطيئة التنفيذ وتفتقر إلى فاعلية، إذ تهدف إلى الحفاظ على مستويات الاستهلاك الحالية دون تسييرها. وتنشر هذه التدخلات "وهم النمو"، حيث يعتقد زورًا أن التكنولوجيا ستسمح للإنسانية بتجنب الحاجة إلى التغيير.
للتغلب على الانفصال الحرج بين العلم والاقتصاد وفهم الجمهور للقضايا البيئية، سيكون هناك حاجة ملحة إلى استجابة متعددة التخصصات.
وبحسب الباحثين، فإن إحدى المفارقات المثيرة هنا هي أن صناعات التسويق ووسائل الإعلام والترفيه، التي تلعب دورًا أساسيًا في توجيه سلوك البشر فيما يتعلق بالحصول على الموارد وإهدارها، قد تكون الوسيلة الأمثل لإعادة توجيه هذا السلوك والمساهمة في تجنب الانهيار البيئي.
من الناحية المنطقية، يمكن أن تُستخدم نفس الاستراتيجيات السلوكية التي أشجعت على الاستهلاك المفرط لتعزيز السلوك المستدام وخلق الحاجة إلى الاستدامة.
فهم العوامل المتعددة للأزمة السلوكية، بما في ذلك تأثير هياكل السلطة والمصالح الخاصة في اقتصاد السوق، يمتلك أهمية بالغة. حيث أن مواجهة هذه القوى وإقناعها أو حتى جذبها للمساهمة في إصلاح الاقتصاد وتصحيح الأضرار يمثل التحدي الأكبر. وذلك سيتطلب وجود جهود مشتركة ومتعددة التخصصات لتحديد أفضل الوسائل لإنشاء معايير جديدة للاستهلاك والتكاثر والتخلص من الفاقد. الهدف هو الحفاظ على تواجد الحياة المعقدة على سطح الأرض.
المصدر: greenfue
تطبيق طقس العرب
حمل التطبيق لتصلك تنبيهات الطقس أولاً بأول