تلوث التربة وتدهورها خطر كبير يؤثر على صحتنا وحياتنا وصحة الكائنات الحية على الأرض

طقس العرب - هل تعلم أن عدد الكائنات الحية الموجودة في مقدار ملعقة كبيرة من التربة أكبر من عدد البشر على الأرض؟! فالتربة عالم مكون من الكائنات الحية والمعادن والمكونات العضوية التي تتيح الغذاء للإنسان والحيوان، فلك أن تتخيل ماذا يمكن أن يحدث عند تعرض هذا العالم الحيوي إلى التلوث!

نحن نفقد المغذيات في طعامنا مع تدهور التربة

تؤثر التربة على الطعام الذي نأكله، وصحتنا وصحة جميع الكائنات الحية على هذا الكوكب، وبدون تربة صحية لن نتمكن من زراعة طعامنا، ولأن التربة مورد محدود، فإن فقدانها وتدهورها غير قابل للاسترداد خلال فترة عمر الإنسان. 

ومثل البشر، تحتاج التربة إلى إمدادات متوازنة ومتنوعة من العناصر الغذائية وبكميات مناسبة لتكون صحية، إلا أن النظم الزراعية تفقد المغذيات مع كل حصاد، وإذا لم تدر التربة إدارة مستدامة، فإن خصوبتها تقل تدريجياً، مما ينتج عنه نباتات تفتقر إلى المغذيات.

على مدار السبعين عامًا الماضية، انخفض مستوى الفيتامينات والمغذيات في الغذاء بشكل كبير، ويُقدر أن ملياري شخص في جميع أنحاء العالم يعانون نقص المغذيات الدقيقة الذي يُعرف باسم ”الجوع الخفي“ لصعوبة اكتشافه.

تلوث التربة له عواقب على جميع أشكال الحياة

التربة الصحية هي مفتاح الأمن الغذائي، فهي تساعد على استدامة إنتاج الغذاء، والتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، كما تعمل التربة الصحية على تصفية المياه، وتحسين القدرة على الصمود في مواجهة الفيضانات والجفاف وأكثر من ذلك بكثير. ومع ذلك، فإن التهديد غير المرئي يعرض التربة وكل ما تقدمه للخطر.

يسبب تلوث التربة سلسلة من الآثار المدمرة للبيئة وله عواقب على جميع أشكال الحياة التي تواجهه، حيث يغير التنوع البيولوجي للتربة، ويقلل من المواد العضوية فيها، ويسبب اختلالا في مغذيات التربة.

هناك 18 عنصرا ضروريا لنمو النباتات، تحصل النباتات على 3 منها من الغلاف الجوي عن طريق التمثيل الضوئي، بينما تحصل على 15 عنصرا من التربة.

يمكن للتربة الملوثة أن تطلق ملوثات في المياه الجوفية، والتي تنتقل إلى الأنسجة النباتية وتتراكم فيها، ثم تنتقل إلى حيوانات الرعي والطيور ، وأخيرا إلى البشر الذين يأكلون النباتات والحيوانات. يمكن أن تسبب الملوثات في التربة والمياه الجوفية وفي السلسلة الغذائية مجموعة متنوعة من الأمراض وزيادة في الوفيات لدى البشر، بدءا من الآثار الحادة قصيرة الأجل، مثل التسمم أو الإسهال إلى الآثار المزمنة طويلة الأجل، مثل السرطان.

بالإضافة إلى التأثير على البيئة، فإن تلوث التربة له أيضا تكاليف اقتصادية عالية بسبب انخفاض غلة المحاصيل وجودتها.

ولأن الغالبية العظمى من الملوثات هي نتيجة لعمل بشري، فنحن مسؤولون بشكل مباشر عن إجراء التغييرات اللازمة لضمان مستقبل أقل تلوثا وأكثر أمانا.

وفيما يلي بعض الأسباب التي تجعل تلوث التربة أمرا كارثيا لا يمكن الاستهانة به:

1. يرتبط المحتوى الغذائي لأنسجة النبات ارتباطا مباشرا بالمحتوى الغذائي للتربة وقدرتها على تبادل العناصر الغذائية والماء مع جذور النبات، وبالتالي تعتمد صحتنا وصحة جميع الكائنات الحية على هذا الكوكب على صحة التربة.
2. على الرغم من أن تلوث التربة غير مرئي، إلا أن ثلث تربتنا متدهورة بشكل معتدل أو شديد بسبب: التآكل، وفقدان الكربون العضوي في التربة، والتملح، والإجهاد، والتحمض، والتلوث الكيميائي.
3. يستغرق تكوين 1 سم من التربة العلوية حوالي 1000 عام، وهو ما يعني أننا لن نتمكن من إنتاج المزيد من التربة خلال حياتنا، لذلك يُهدد المعدل الحالي لتدهور التربة قدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الأساسية.
4. يقلل تلوث التربة من قدرتها على التصفية والعمل كمرشح وعازل للملوثات، ما يعني تسرب الملوثات وانتقالها إلى أجزاء أخرى من البيئة والسلسلة الغذائية.

تتجاوز فوائد التربة مجرد إنتاج الغذاء. هل تعلم أن معظم المضادات الحيوية المعروفة ، بما في ذلك البنسلين ، نشأت من الكائنات الحية الدقيقة في التربة؟

5. يؤثر تلوث التربة على الأمن الغذائي عن طريق تقليل غلة المحاصيل وجودتها. لا يمكن إنتاج طعام آمن ومغذي وجيد النوعية إلا إذا كانت تربتنا صحية. 
6. يمكن أن يكون تلوث التربة نتيجة لسوء الممارسات الزراعية التي تقلل من المواد العضوية في التربة، مما يضر بقدرة التربة على تحليل الملوثات العضوية، ويزيد من خطر إطلاقها إلى البيئة. ولذلك أصبحت ممارسات الإنتاج الزراعي المستدام حتمية لعكس اتجاه تدهور التربة وضمان الأمن الغذائي العالمي الحالي والمستقبلي.
7. يمكن لتلوث التربة أن يعرض صحتنا للخطر عند تسرب نسبة كبيرة من المضادات الحيوية المستخدمة في الزراعة والعلاجات الطبية ويصل إلى البكتيريا الموجودة في التربة، ما يخلق أنواعا من البكتيريا المقاومة لمضادات الميكروبات، وبالتالي يقلل من فعالية المضادات الحيويةـ حيث تُعزى وفاة حوالي 700 ألف شخص كل عام إلى البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. 

حماية التربة والحفاظ عليها يبدأ بنا

مع ازدياد عدد سكان العالم المتوقع أن يتجاوز 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050، يتوقف أمننا الغذائي الحالي والمستقبلي على قدرتنا على زيادة الغلة وجودة الأغذية باستخدام التربة المتوفرة لدينا اليوم. وتلوث التربة يؤثر سلبا علينا جميعا.

حماية التربة والحفاظ عليها تبدأ بنا. وهناك بعض الأمثلة لنكون جزءا من الحل، وهي:

• اتخاذ الخيارات الغذائية المستدامة.
• إعادة تدوير المواد الخطيرة مثل البطاريات بشكل صحيح.
• صنع السماد في المنزل لتقليل كمية النفايات التي تدفن في مدافن النفايات.
• التخلص من مخلفات المضادات الحيوية بشكل سليم.
• تعزيز الممارسات الزراعية المستدامة في مجتمعاتنا. 
• مراقبة جودة الأسمدة، واتباع ارشادات الاستخدام الصحيح للسماد. 
• تشجيع زراعة البقوليات وتنويع المحاصيل والاهتمام بالدورات الزراعية. 

التربة الصحية هي سلعة ثمينة، وغير متجددة تتعرض لتهديد متزايد من السلوكيات البشرية المدمرة. ونحن مسؤولون عن التربة التي تزودنا بالغذاء والماء والهواء، وعلينا اليوم اتخاذ إجراءات لضمان الحفاظ على تربة صحية من أجل مستقبل مستدام وآمن غذائيا. ولنكن جزءا من الحل للحفاظ على صحة التربة!

(fao.org)